قال: فخذ هاهنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية، وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلاً، ثمّ إنّ الحسين سار في أصحابه والحرّ يسايره.
قال أبو مخنف: عن عقبة بن أبي العيزار، أنّ الحسين خَطَبَ أصحابه وأصحاب الحرّ بالبيضة، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله قال: مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم اللّه، ناكثاً لعهد اللّه، مخالفاً لسنّة رسول اللّه، يعمل في عباد اللّه بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على اللّه أن يدخله مدخله، ألا وإنّ هؤاء قد لزموا طاعةَ الشيطان، وتركوا طاعةَ الرحمان، وأظهروا الفساد، وعطلّوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرامَ اللّه، وحَرّموا حلالَه، وأنا أحقُّ مَن غيّر، قد أتتني كتبُكُم، وقدمت عليَّ رسلكم ببيعتكم، أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن عليّ، وابن فاطمة بنت رسول اللّه صلىاللهعليهوآله، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم فيَّ اُسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري، ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم، والمغرور من اغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم، ومَن نكثَ فإنّما ينكثُ على نفسه، وسيغني اللّه عنكم، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
و قال عقبة بن أبي العيزار: قام حسين عليهالسلام بذي حسم، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وأنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر ۵ / ۴۰۴
معروفها واستمرّت جدّاً، فلم يبقَ منها إلاّ صُبابة كصبابة الإناء، وخسيسُ عيشٍ كالمرعى الوبيل، ألا ترون أنّ الحقّ لا يعمل به، وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه! ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلاّ شهادة، ولا الحياة مع الظالمين إلاّ برما.