فقام فجمع إليه مواليه وأهل بيته، ثمّ أقبل يمشي حتّى انتهى إلى باب الوليد، وقال لأصحابه: إنّي داخل، فإن دعوتكم أو سمعتم صوته قد علا، فاقتحموا عليَّ بأجمعكم، وإلاّ فلا تبرحوا حتّى أخرج إليكم.
فدخل فسلّم عليه بالإمرة ومروان جالس عنده، فقال حسين ـ كأنّه لا يظنّ ما يظنّ من موت معاوية: الصلة خير من القطيعة، أصلح اللّه ذات بينكما! فلم يجيباه في هذا بشيء، وجاء حتّى جلس، فأقرأه الوليد الكتاب، ونعى له معاوية، ودعاه إلى البيعة.
فقال حسين: «إِنَّا للّهِِ وإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ!» ورحم اللّه معاوية، وعظّم لك الأجر! أمّا ۵ / ۳۴۰
ما سألتني من البيعة فإنّ مثلي لا يعطي بيعته سرّاً ولا أراك تجتزئ بها منّي سرّاً دون أن نظهرها على رؤوس الناس علانية. قال: أجل.
قال: فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس، فكان أمراً واحداً. فقال له الوليد ـ وكان يحبّ العافية: فانصرف على اسم اللّه حتّى تأتينا مع جماعة الناس.
فقال له مروان: واللّه، لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه، احبس الرجل، ولا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه!!
فوثب عند ذلك الحسين، فقال: يا بن الزرقاء، أنت تقتلني أم هو؟! كذبت واللّه وأثمت، ثمّ خرج فمرّ بأصحابه، فخرجوا معه حتّى أتى منزله.
فقال مروان للوليد: عصيتني، لا واللّه، لا يمكّنك من مثلها من نفسه أبداً.
قال الوليد: وبّخ غيرك يا مروان! إنّك اخترت لي التي فيها هلاك ديني، واللّه، ما اُحبّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها، وأنّي قتلت حسيناً، سبحان اللّه! أقتل حسيناً أن قال: لا اُبايع؟! واللّه، إنّي لا أظنّ امرءاً يحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند اللّه يوم القيامة.