فلمّا أتاه نعي معاوية فظع به، وكبر عليه، فبعث إلى مروان بن الحكم فدعاه إليه ـ وكان الوليد يوم قدم المدينة قدمها مروان متكارهاً ـ فلمّا رأى ذلك الوليد منه شتمه عند جلسائه، فبلغ ذلك مروان، فجلس عنه وصرمه، فلم يزل كذلك حتّى جاء نعي معاوية إلى الوليد، فلمّا عظم على الوليد هلاك معاوية وما أمر به من أخذ هؤاء الرهط بالبيعة، فزع عند ذلك إلى مروان، ودعاه، فلمّا قرأ عليه كتاب يزيد، استرجع وترحّم عليه، واستشاره الوليد في الأمر، وقال: كيف ترى أن نصنع؟
۵ / ۳۳۹
قال: فإنّي أرى أن تبعث الساعة إلى هؤاء النفر فتدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة، فإن فعلوا قبلت منهم، وكففت عنهم، وإن أبوا قدّمتهم فضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية، فإنّهم إن علموا بموت معاوية وثب كلّ امرئ منهم في جانب، وأظهر الخلاف والمنابذة، ودعا إلى نفسه لا أدري؛ أمّا ابن عمر فإنّي لا أراه يرى القتال، ولا يحبّ أنّه يُوَلَّى على الناس، إلاّ أن يدفع إليه هذا الأمر عفواً.
فأرسل عبداللّه بن عمرو بن عثمان ـ وهو إذ ذاك غلام حدث ـ إليهما يدعوهما، فوجدهما في المسجد وهما جالسان، فأتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس، ولا يأتيانه في مثلها، فقال: أجيبا، الأمير يدعوكما!
فقال له: انصرف، الآن نأتيه، ثمّ أقبل أحدهما على الآخر، فقال عبداللّه بن الزبير للحسين: ظُنّ فيما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها!
فقال حسين: قد ظننت، أرى طاغيتهم قد هلك، فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر، فقال: وأنا ما أظنّ غيره، قال: فما تريد أن تصنع؟
قال: أجمع فتياني الساعة، ثمّ أمشي إليه، فإذا بلغت الباب احتبستهم عليه، ثمّ دخلت عليه.
قال: فإنّي أخافه عليك إذا دخلت، قال: لا آتيه إلاّ وأنا على الامتناع قادر.