173
الاعتکاف فی الکتاب و السنّه

سَيِّدي! كَيفَ آيَسُ مِن حُسنِ نَظَرِكَ بي بَعدَ مَماتي، وأَنتَ لَم تُوَلِّني إلّا جَميلاً في حَياتي؟!
سَيِّدي! عَفوُكَ أعظَمُ مِن كُلِّ جُرمٍ، ونِعمَتُكَ مَمحاةٌ لِكُلِّ إثمٍ.
سَيِّدي! إن كانَت ذُنوبي قَد أخافَتني، فَإِنَّ مَحَبَّتي لَكَ قَد آمَنَتني، فَتَوَلَّ مِن أمري ما أنتَ أهلُهُ، وعُد بِفَضلِكَ عَلیٰ مَن قَد غَمَرَهُ جَهلُهُ.
يا مَنِ السِّرُّ عِندَهُ عَلانِيَةٌ، ولا تَخفیٰ عَلَيهِ مِنَ الغَوامِضِ خافِيَةٌ، فَاغفِر لي ما خَفِيَ عَلَى النّاسِ مِن أمري، وخَفِّف بِرَحمَتِكَ مِن ثِقلِ الأَوزارِ ظَهري.
سَيِّدي! سَتَرتَ عَلَيَّ ذُنوبي فِي الدُّنيا ولَم تُظهِرها، فَلا تَفضَحني بِها فِي القِيامَةِ وَاستُرها، فَمَن أحَقُّ بِالسَّترِ مِنكَ يا سَتّارُ، ومَن أولیٰ مِنكَ بِالعَفوِ عَنِ المُذنِبينَ يا غَفّارُ؟!
إلٰهي! جودُكَ بَسَطَ أمَلي، وسَترُكَ قَبِلَ عَمَلي، فَسُرَّني بِلِقائِكَ عِندَ اقتِرابِ أجَلي.
سَيِّدي! لَيسَ اعتِذاري إلَيكَ اعتِذارَ مَن يَستَغني عَن قَبولِ عُذرِهِ، ولا تَضَرُّعي تَضَرُّعَ مَن يَستَنكِفُ عَن مَسأَلَتِكَ لِكَشفِ ضُرِّهِ، فَاقبَل عُذري يا خَيرَ مَنِ اعتَذَرَ إلَيهِ المُسيؤونَ، وأَكرَمَ مَنِ استَغفَرَهُ الخاطِئونَ.
سَيِّدي! لا تَرُدَّني في حاجَةٍ قَد أفنَيتُ عُمُري في طَلَبِها مِنكَ، ولا أجِدُ غَيرَكَ مَعدِلاً بِهاَ عَنكَ.
سَيِّدي! لَو أرَدتَ إهانَتي لَم تَهدِني، ولَو أرَدتَ فَضيحَتي لَم تَستُرني، فَأَدِم إمتاعي بِما لَهُ هَدَيتَني، ولا تَهتِك عَمّا بِهِ سَتَرتَني.
سَيِّدي! لَولا مَا اقتَرَفتُ مِنَ الذُّنوبِ ما خِفتُ عِقابَكَ، ولَولا ما عَرَفتُ مِن كَرَمِكَ ما رَجَوتُ ثَوابَكَ، وأَنتَ أكرَمُ الأَكرَمينَ بِتَحقيقِ آمالِ الآمِلينَ، وأَرحَمُ مَنِ استُرحِمَ فِي التَّجاوُزِ عَنِ المُذنِبينَ.


الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
172

سَيِّديٰ ما جَفَّت هذِهِ العُيونُ لِفَرطِ بُكائِها، ولا جادَت هذِهِ الجُفونُ بِفَيضِ مائِها، ولا أسعَدَها نَحيبُ الباكِياتِ الثّاكِلاتِ لِفَقدِ عَزائِها، إلّا لِما أسلَفَتهُ مِن عَمدِها وخَطائِها، وأَنتَ القادِرُ سَيِّدي عَلیٰ كَشفِ غَماها.
سَيِّدي! أمَرتَ بِالمَعروفِ وأَنتَ أولیٰ بِهِ مِنَ المَأمورينَ، وحَضَضتَ عَلیٰ إعطاءِ السّائِلينَ وأَنتَ خَيرُ المَسؤولينَ، ونَدَبتَ إلیٰ عِتقِ۱ الرِّقابِ وأَنتَ خَيرُ المُعتِقينَ، وَحَثثتَ عَلَى الصَّفحِ عَنِ المُذنِبينَ وأَنتَ أكرَمُ الصّافِحينَ.
سَيِّدي! إن تَلَونا مِن كِتابِكَ سَعَةَ رَحمَتِكَ أشفَقنا من مُخالَفَتِكَ وفَرِحنا بِبَذلِ رَحمَتِكَ، وإذا تَلَونا ذِكرَ عُقوبَتِكَ جَدَدنا في طاعَتِكَ وفَرِقنا مِن أليمِ نَقِمَتِكَ، فَلا رَحمَتُكَ تُؤمِنُنا۲، ولا سَخَطُكَ يُؤیِسُنا.
سَيِّدي! كَيفَ يَتَمَنَّعُ مَن فيها مِن طَوارِقِ الرَّزايا، وقَد رُشِقَ في كُلِّ دارٍ مِنها سَهمٌ مِن سِهامِ المَنايا؟
سَيِّدي! إن كانَ ذَنبي مِنكَ قَد أخافَني فَإِنَّ حُسنَ ظَنّي بِكَ قَد أجارَني، وإن كانَ خَوفُكَ قَد أربَقَني۳ فَإِنَّ حُسنَ نَظَرِكَ لي قَد أطلَقَني.
سَيِّدي! إن كانَ قَد دَنا مِنّي أجَلي ولَم يُقَرِّبني مِنكَ عَمَلي، فَقَد جَعَلتُ الاِعتِرافَ بِالذَّنبِ أوجَهَ وَسائِلِ عِلَلي.
سَيِّدي! مَن أولیٰ بِالرَّحمَةِ مِنكَ إن رَحِمتَ، ومَن أعدَلُ فِي الحُكمِ مِنكَ إن عَذَّبتَ؟!
سَيِّدي! لَم تَزل بَرّاً بي أيّامَ حَياتي، فَلا تَقطَع لَطيفَ بِرِّكَ بي بَعدَ وَفاتي.

1.. في المصدر: «عتيق»، والتصويب من الصحيفة السجّاديّة الجامعة: ص۴۵۵.

2.. في نسخة: «فلا مكرُكَ يُؤمِننا».

3.. الرَّبقُ: حَبلٌ فيه عدّة عري يُشَدُّ به البُهُمُ الصغار، وربقه: جَعل رأسه في الربقة ـ أي قيّده ـ (تاج العروس: ج۱۳ ص۱۵۹ «ربق»). وفي نسخة كما في الصحیفة السجّادیة الجامعة: ص۴۵۵ «أوبقني».

  • نام منبع :
    الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
    سایر پدیدآورندگان :
    محمد محمدی ری شهری
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1396
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 11247
صفحه از 204
پرینت  ارسال به