171
الاعتکاف فی الکتاب و السنّه

إلٰهي! لَولا ما جَهِلتُ مِن أمري لَم أستَقِلكَ عَثَراتي، ولَولا ما ذَكَرتُ مِن شِدَّةِ التَّفريطِ لَم أسكُب عَبَراتي. سَيِّدي! فَامحُ مُثبَتاتِ العَثَراتِ لِمُسبَلاتِ العَبَراتِ، وهَب كَثيرَ السَّيِّئاتِ بِقَليلِ الحَسَناتِ.
سَيِّدي! إن كُنتَ لا تَرحَمُ إلّاَ المُجِدّينَ في طاعَتِكَ، فَإِلیٰ مَن يَفزَعُ المُقَصِّرونَ؟ وإن كُنتَ لا تَقبَلُ إلّا مِنَ المُجتَهِدينَ، فَإِلیٰ مَن يَلجَأُ الخاطِئونَ؟ وإن كُنتَ لا تُكرِمُ إلّا أهلَ الإِحسانِ، فَكَيفَ يَصنَعُ المُسيئونَ؟ وإن كانَ لا يَفوزُ يَومَ الحَشرِ إلّاَ المُتَّقونَ، فَبِمَن يَستَغيثُ المُذنِبونَ؟
سَيِّدي! إن كانَ لا يَجوزُ عَلَى الصِّراطِ إلّا مَن أجازَتهُ بَراءَةُ عَمَلِهِ، فَأَنّیٰ بِالجَوازِ لِمَن لَم يَتُب إلَيكَ قَبلَ دُنُوِّ أجَلِهِ؟ وإن لَم تَجُد إلّا عَلیٰ مَن عَمَّرَ بِالزُّهدِ مَكنونَ سَريرَتِهِ، فَمَن لِلمُضطَرِّ الَّذي لَم يُرضِهِ بَينَ العالَمينَ سَعيُ نَقِيَّتِهِ؟
سَيِّدي! إن حَجَبتَ عَن أهلِ تَوحيدِكَ نَظَرَ تَغَمُّدِكَ بِخَطيئاتِهِم، أوبَقَهُم۱ غَضَبُكَ بَينَ المُشرِكينَ بِكُرُباتِهِم.
سَيِّدي! إن لَم تَشمَلنا يَدُ إحسانِكَ يَومَ الوُرودِ، اختَلَطنا فِي الخِزيِ يَومَ الحَشرِ بِذَوِي الجُحودِ، فَأَوجِب لَنا بِالإِسلامِ مَذخورَ هِباتِكَ، وأَصفِ ما كَدَّرَتهُ الجَرائِمُ بِصَفحِ صِلاتِكَ.
سَيِّدي! لَيسَ لي عِندَكَ عَهدٌ اتَّخَذتُهُ، ولا كَبيرُ عَمَلٍ أخلَصتُهُ، إلّا أنّي واثِقٌ بِكَريمِ أفعالِكَ، راجٍ لِجَسيمِ إفضالِكَ، عَوَّدتَني مِن جَميلِ تَطَوُّلِكَ عادَةً أنتَ أولیٰ بِإِتمامِها، ووَهَبتَ لي مِن خُلوصِ مَعرِفَتِكَ حَقيقَةً أنتَ المَشكورُ عَلیٰ إلهامِها.

1.. أَوبَقه: أهلكه (لسان العرب: ج۱۰ ص۳۷۰ «وبق»).


الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
170

بِجودِكَ فَرَجعوا، وسَمِعَ المَحرومونَ بِسَعَةِ فَضلِكَ فَطَمِعوا، حَتَّى ازدَحَمَت عَصائِبُ العُصاةِ مِن عِبادِكَ بِبابِكَ، وعَجَّت إلَيكَ الأَلسُنُ بِأَصنافِ الدُّعاءِ في بِلادِكَ، فَكُلُّ أمَلٍ ساقَ صاحِبَهُ إلَيكَ مُحتاجاً، وكُلُّ قَلبٍ تَرَكَهُ وَجيبُ الخَوفِ إلَيكَ مُهتاجاً.
سَيِّدي! وأَنتَ المَسؤولُ الَّذي لا تَسوَدُّ لَدَيهِ وُجوهُ المَطالِبِ، ولَم يَردُد راجيهِ فَيُزيلَهُ عَنِ الحَقِّ إلَى المَعاطِبِ.
سَيِّدي! إن أخطَأتُ طَريقَ النَّظَرِ لِنَفسي بِما فيهِ كَرامَتُها، فَقَد أصَبتُ طَريقَ الفَرَجِ بِما فيهِ سَلامَتُها.
سَيِّدي! إن كانَت نَفسِي استَعبَدَتني مُتَمَرِّدَةً عَلَيَّ بِما يُرجيها، فَقَدِ استَعبَدتُهَا الآنَ عَلیٰ ما يُنجيها.
سَيِّدي! إن أجحَفَ بي زادُ الطَّريقِ فِي المَسيرِ إلَيكَ، فَقَد أوصَلتُهُ بِذَخائِرِ ما أعدَدتُهُ مِن فَضلِ تَعويلي عَلَيكَ.
سَيِّدي! إذا ذَكَرتُ رَحمَتَكَ ضَحِكَت لَها عُيونُ مَسائلي، وإذا ذَكَرتُ عُقوبَتَكَ بَكَت لَها جُفونُ وَسائِلي.
سَيِّدي! أدعوكَ دُعاءَ مَن لَم يَدعُ غَيرَكَ في دُعائِهِ، وأَرجوكَ رَجاءَ مَن لَم يَقصِد غَيرَكَ بِرَجائِهِ.
سَيِّدي! وكَيفَ أرُدُّ عارِضَ تَطَلُّعي إلیٰ نَوالِكَ، وإنَّما أنَا في هٰذَا الخَلقِ أحَدُ عِيالِكَ؟!
سَيِّدي! كَيفَ اُسكِتُ بِالإِفحامِ لِسانَ ضَراعَتي وقَد أقلَقَني ما اُبهِمَ عَلَيَّ مِن تَقديرِ عاقِبَتي؟!
سَيِّدي! قَد عَلِمتَ حاجَةَ جِسمي إلیٰ ما قَد تَكَفَّلتَ لي مِنَ الرِّزقِ أيّامَ حَياتي، وعَرَفتَ قِلَّةَ استِغنائي عَنهُ بَعدَ وَفاتي، فَيامَن سَمَحَ لي بِهِ مُتَفَضِّلاً فِي العاجِلِ، لا تَمنَعنيهِ يَومَ حاجَتي إلَيهِ فِي الآجِلِ، فَمِن شَواهِدِ نَعماءِ الكَريمِ إتمامُ نَعمائِهِ، ومِن مَحاسِنِ آلاءِ الجَوادِ إكمالُ آلائِهِ.

  • نام منبع :
    الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
    سایر پدیدآورندگان :
    محمد محمدی ری شهری
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1396
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 11479
صفحه از 204
پرینت  ارسال به