169
الاعتکاف فی الکتاب و السنّه

سَيِّدي! جِئتُ مَلهوفاً قَد لَبِستُ عُدمَ فاقَتي، وأَقامَني مُقامَ الأَذِلّاءِ بَينَ يَدَيكَ ضُرُّ حاجَتي.
سَيِّدي! كَرُمتَ فَأَكرِمني إذ كُنتُ مِن سُؤالِكَ، وجُدتَ بِمَعروفِكَ فَاخلُطني بِأَهلِ نَوالِكَ.
اللَّهُمَّ ارحَم مِسكيناً لا يُجيرهُ إلّا عَطاؤُكَ، وفَقيراً لا يُغنيهِ إلّا جَدواكَ.
سَيِّدي! أصبَحتُ عَلیٰ بابٍ مِن أبوابِ مِنَحِكَ سائِلاً، وعَنِ التَّعَرُّضِ بِسِواكَ عادِلاً، ولَيسَ مِن جَميلِ امتِنانِكَ رَدُّ سائِلٍ مَلهوفٍ، ومُضطَرٍّ لاِنتِظارِ فَضلِكَ المَألوفِ.
سَيِّدي! إن حَرَمتَني رُؤيَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وآلِهِ فِي دارِ السَّلامِ، وأَعدَمتَني طَوفَ الوَصائِفِ وَالخُدّامِ، وصَرَفتَ وَجهَ تَأميلي بِالخَيبَةِ في دارِ المُقامِ، فَغَيرَ ذلِكَ مَنَّتني نَفسي مِنكَ، يا ذَا الطَّولِ وَالإِنعامِ.
سَيِّدي! وعِزَّتِكَ لَو قَرَنتَني فِي الأَصفادِ، ومَنَعتَني سَيبَكَ مِن بَينِ العِبادِ، ما قَطَعتُ رَجائي عَنكَ، ولا صَرَفتُ انتِظاري لِلعَفوِ مِنكَ.
سَيِّدي! لَو لَم تَهدِني إلَى الإِسلامِ لَضَلَلتُ، ولَو لَم تُثَبِّتني إذاً لَزَلَلتُ، ولَو لَم تُشعِر قَلبِيَ الإِيمانَ بِكَ ما آمَنتُ ولا صَدَّقتُ، ولَو لَم تُطلِق لِساني بِدُعائِكَ ما دَعَوتُ، ولَو لَم تُعَرِّفني حَقيقَةَ مَعرِفَتِكَ ما عَرَفتُ، ولَو لَم تَدُلَّني عَلى كَريمِ ثَوابِكَ ما رَغِبتُ، ولَو لَم تُبَيِّن لي أليمَ عِقابِكَ ما رَهِبتُ، فَأَسأَلُكَ تَوفيقي لِما يوجِبُ ثَوابَكَ، وتَخليصي مِمّا يَكسِبُ عِقابَكَ.
سَيِّدي! إن أقعَدَنِي التَّخَلُّفُ عَنِ السَّبقِ مَعَ الأَبرارِ، فَقَد أقامَتنِي الثِّقَةُ بِكَ عَلى مَدارِجِ الأَخيارِ.
سَيِّدي! كُلُّ مَكروبٍ إلَيكَ يَلتَجِئُ، وكُلُّ مَحزونٍ إيّاكَ يَرتَجي، سَمِعَ العابِدونَ بِجَزيلِ ثَوابِكَ فَخَشَعوا، وسَمِعَ المُوَلّونَ عَنِ القَصدِ


الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
168

مِنّي، ونَفَدَت مُدَّتي، وذَهَبَت شَهوَتي، وبَقِيَت تَبِعَتي، فَجُد بِحِلمِكَ عَلیٰ جَهلي، وبِعَفوِكَ عَلیٰ قَبيحِ فِعلي، ولا تُؤاخِذني بِما كَسَبتُ مِنَ الذُّنوبِ العِظامِ في سالِفِ الأَيّامِ.
سَيِّدي! أنَا المُعتَرِفُ بِإِساءَتي، المُقِرُّ بِخَطائي، المَأسورُ بِإِجرامي، المُرتَهَنُ بِآثامي، المُتَهَوِّرُ بِإِساءَتي، المُتَحَيِّرُ عَن قَصدِ طَريقي، انقَطَعَت مَقالَتي، وضَلَّ عُمُري، وبَطَلَت حُجَّتي في عَظيمِ وِزري، فَامنُن عَلَيَّ بِكَريمِ غُفرانِكَ، وَاسمَح لي بِعَظيمِ إحسانِكَ، فَإِنَّكَ ذو مَغفِرَةٍ لِلطّالِبينَ، شَديدُ العِقابِ لِلمُجرِمينَ.
سَيِّدي! إن كانَ صَغُرَ في جَنبِ طاعَتِكَ عَمَلي، فَقَد كَبُرَ في جَنبِ رَجائِكَ أمَلي.
سَيِّدي! كَيفَ أنقَلِبُ مِن عِندِكَ بِالخَيبَةِ مَحروماً، وظَنّي بِكَ أنَّكَ تَقلِبُني بِالنَّجاةِ مَرحوماً؟!
سَيِّدي! لَم اُسَلِّط عَلیٰ حُسنِ ظَنّي بِكَ قُنوطَ الآيِسينَ، فَلا تُبطِل لي صِدقَ رَجائي لَكَ فِي الآمِلينَ.
سَيِّدي! عَظُمَ جُرمي إذ بارَزتُكَ بِاكتِسابِهِ، وكَبُرَ ذَنبي إذ جاهَرتُكَ بِارتِكابِهِ، إلّا أنَّ عَظيمَ عَفوِكَ يَسَعُ المُعتَرِفينَ، وجَسيمَ غُفرانِكَ يَعُمُّ التَّوّابينَ.
سَيِّدي! إن دَعاني إلَى النّارِ مَخشِيُّ عِقابِكَ، فَقَد دَعاني إلَى الجَنَّةِ مَرجُوُّ ثَوابِكَ.
سَيِّدي! إن أوحَشَتنِي الخَطايا مِن مَحاسِنِ لُطفِكَ، فَقَد آنَسَنِي اليَقينُ بِمَكارِمِ عَطفِكَ، وإن أنامَتنِي الغَفلَةُ عَنِ الاِستِعدادِ لِلِقائِكَ، فَقَد أيقَظَتنِي المَعرِفَةُ بِقَديمِ آلائِكَ، وإن عَزَبَ عَنّي تَقديمٌ لِما يُصلِحُني۱، فَلَم يَعزُب إيقاني بِنَظَرِكَ إلَيَّ فيما يَنفَعُني، وإنِ انقَرَضَت بِغَيرِ ما أحبَبتَ مِنَ السَّعيِ أيّامي، فَبِالإِيمانِ أمضَيتُ [بِكَ] السّالِفاتِ مِن أعوامي.

1.. في الصحيفة السجّاديّة الجامعة: ص۴۵۰ «وإن عَزُبَ لُبّي عَن تَقديمِ ما يُصلِحُني».

  • نام منبع :
    الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
    سایر پدیدآورندگان :
    محمد محمدی ری شهری
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1396
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 11483
صفحه از 204
پرینت  ارسال به