۴/۲
دُعاءُ النُّدبَةِ
۱۹۹.المزار الكبير: الدُعاءُ لِلنُّدبَةِ. قالَ مُحَمَّدُ بنُ [عَلِيِّ بنِ] أبي قُرَّةَ: نَقَلتُ مِن كِتابِ أبي جَعفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَينِ بنِ سُفيانَ البَزَوفَرِيِّ رضي الله عنه هذَا الدُّعاءَ، وذَكَرَ فيهِ أنَّهُ الدُّعاءُ لِصاحِبِ الزَّمانِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ وعجّل فرجه وفرجنا به، ويُستَحَبُّ أن يُدعىٰ بِهِ فِي الأعيادِ الأربَعَةِ:۱
الحَمدُ للّهِ رَبِّ العالَمينَ وصَلَّى اللّهُ عَلىٰ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وآلِهِ وسَلَّمَ تَسليماً.
اللهُمَّ لَكَ الحَمدُ عَلى ما جَرىٰ بِهِ قَضاؤُكَ في أولِيائِكَ الَّذينَ استَخلَصتَهُم لِنَفسِكَ ودينِكَ؛ إذِ اختَرتَ لَهُم جَزيلَ ما عِندَكَ مِنَ النَّعيمِ المُقيمِ الَّذي لا زَوالَ لَهُ ولاَ اضمِحلالَ، بَعدَ أن شَرَطتَ عَلَيهِمُ الزُّهدَ في زَخارِفِ هذِهِ الدُّنيَا الدَّنِيَّةِ۲ وزِبرِجِها۳، فَشَرَطوا لَكَ ذلِكَ، وعَلِمتَ مِنهُمُ الوَفاءَ بِهِ، فَقَبِلتَهُم وقَرَّبتَهُم، وقَدَّمتَ لَهُمُ الذِّكرَ العَلِيَّ وَالثَّناءَ الجَلِيَّ، وأَهبَطتَ عَلَيهِم مَلائِكَتَكَ، وكَرَّمتَهُم بِوَحيِكَ، ورَفَدتَهُم بِعِلمِكَ، وجَعَلتَهُمُ الذَّرایِعَ۴ إلَيكَ، وَالوَسيلَةَ إلى رِضوانِكَ.
فَبَعضٌ أسكَنتَهُ جَنَّتَكَ إلى أن أخرَجتَهُ مِنها، وبَعضٌ حَمَلتَهُ في فُلكِكَ، ونَجَّيتَهُ ومَن آمَنَ مَعَهُ مِنَ الهَلَكَةِ بِرَحمَتِكَ، وبَعضٌ اتَّخَذتَهُ خَليلاً، وسَأَلَكَ لِسانَ صِدقٍ فِي الآخِرينَ، فَأَجَبتَهُ وجَعَلتَ ذلِكَ عَلِيّاً، وبَعضٌ كَلَّمتَهُ مِن شَجَرَةٍ تَكليماً، وجَعَلتَ لَهُ مِن أخيهِ رِدءاً ووَزيراً، وبَعضٌ أولَدتَهُ مِن غَيرِ أبٍ، وآتَيتَهُ البَيِّناتِ، وأَيَّدتَهُ بِروحِ القُدُسِ، وكُلّاً شَرَعتَ لَهُ شَريعَةً، ونَهَجتَ لَهُ مِنهاجاً، وتَخَيَّرتَ لَهُ أوصِياءَ، مُستَحفِظاً بَعدَ مُستَحفِظٍ، مِن مُدَّةٍ إلىٰ مُدَّةٍ؛ إقامَةً لِدينِكَ، وحُجَّةً عَلىٰ عِبادِكَ، ولِئَلاّ يَزولَ الحَقُّ عَن مَقَرِّهِ، ويَغلِبَ الباطِلُ عَلىٰ أهلِهِ، ولا يَقولَ أحَدٌ: لَولا أرسَلتَ إلَينا رَسولاً مُنذِراً، فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِن قَبلِ أن نَذِلَّ ونَخزى.
إلى أنِ انتَهَيتَ بِالأَمرِ إلى حَبيبِكَ ونَجيبِكَ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله، فَكانَ ـ كَمَا انتَجَبتَهُ ـ، سَيِّدَ مَن خَلَقتَهُ، وصَفوَةَ مَنِ اصطَفَيتَهُ، وأَفضَلَ مَنِ اجتَبَيتَهُ، وأَكرَمَ مَنِ اعتَمَدتَهُ، قَدَّمتَهُ عَلى أنبِيائِكَ، وبَعَثتَهُ إلى الثَّقَلَينِ مِن عِبادِكَ، وأَوطَأتَهُ مَشارِقَكَ ومَغارِبَكَ، وسَخَّرتَ لَهُ البُراقَ۵، وعَرَجتَ بِهِ إلى سَمائِكَ، وأَودَعتَهُ عِلمَ ما يَكونُ إلَى انقِضاءِ خَلقِكَ.
ثُمَّ نَصَرتَهُ بِالرُّعبِ، وحَفَفتَهُ بِجَبرَئيلَ وميكائيلَ وَالمُسَوِّمينَ۶ مِن مَلائِكَتِكَ، ووَعَدتَهُ أن تُظهِرَه عَلَى الدّينِ كُلِّهِ ولَو كَرِهَ المشرِكونَ، وذلِكَ بَعدَ أن بَوَّأتَهُ مُبَوَّأَ صِدقٍ مِن أهلِهِ، وجَعَلتَ لَهُ ولَهُم (أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءَامِنًا)۷، وقُلتَ: (إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).۸
ثُمَّ جَعَلتَ أجرَ مُحَمَّدٍ صَلَواتُكَ عَلَيهِ وآلِهِ مَوَدَّتَهُم في كِتابِكَ، فَقُلتَ: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً)۹، فكانوا هُمُ السَّبيلَ إلَيكَ، وَالمَسلَكَ إلى رِضوانِكَ.
فَلَمَّا انقَضَت أيّامُهُ أقامَ وَلِيَّهُ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ صَلَواتُك عَلَيهِما وآلِهِما هادِياً؛ إذ كانَ هُوَ المُنذِرُ، ولِكُلِّ قَومٍ هادٍ، فَقالَ وَالمَلَأُ أمامَهُ: "مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ، اللهُمَّ والِ مَن والاهُ، وعادِ مَن عاداهُ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ”.
وقالَ: "مَن كُنتُ أنَا نَبِيَّهُ۱۰ فَعَلِيٌّ أميرُهُ”.
وقالَ: "أنَا وعَلِيٌّ مِن شَجَرَةٍ واحِدَةٍ وسائِرُ النّاسِ مِن أشَجارٍ شَتّى”. وأَحَلَّهُ مَحَلَّ هارونَ مِن موسى، فَقالَ لَهُ: "أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي”.
وزَوَّجَهُ ابنَتَهُ سَيِّدَةَ نِساءِ العالَمينَ، وأَحَلَّ لَهُ مِن مَسجدِهِ ما حَلَّ لَهُ، وسَدَّ الأَبوابَ إلّا بابَهُ، ثُمَّ أودَعَهُ عِلمَهُ وحِكمَتَهُ، فَقالَ: "أنَا مَدينَةُ العِلمِ وعَلِيٌّ بابُها، فَمَن أرادَ المَدينَةَ وَالحِكمَةَ فَليَأتِها مِن بابِها”.
ثُمَّ قالَ: "أنتَ أخي ووَصِيّي ووارِثي، لَحمُكَ مِن لَحمي، ودَمُكَ مِن دَمي، وسِلمُكَ سِلمي، وحَربُكَ حَربي، وَالإِيمانُ مُخالِطٌ لَحمَكَ ودَمَكَ، كَما خالَطَ لَحمي ودَمي، وأَنتَ غَداً عَلَى الحَوضِ معي، و أنت خَليفَتي، وأَنتَ تَقضي دَيني وتُنجِزُ عِداتي۱۱، وشيعَتُكَ عَلى مَنابِرَ مِن نورٍ مُبيَضَّةً وُجوهُهُم حَولي فِي الجَنَّةِ، وهُم جيراني، ولَولا أنتَ يا عَلِيُّ لَم يُعرَفِ المُؤمِنونَ بَعدي”.
وكانَ بَعدَهُ هُدىً مِنَ الضَّلالِة، ونوراً مِنَ العَمى، وحَبلَ اللّهِ المَتينَ، وصِراطَهُ المُستَقيمَ. لا يُسبَقُ بِقَرابَةٍ في رَحِمٍ، ولا بِسابِقَةٍ في دينٍ، ولا يُلحَقُ في مَنقَبَةٍ مِن مَناقِبِهِ، يَحذو حَذوَ الرَّسولِ ـ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِما وآلِهِما ـ ويُقاتِلُ عَلَى التَّأويلِ، ولا تَأخُذُهُ في اللّهِ لَومَةُ لائِمٍ.
قَد وَتَرَ۱۲ فيهِ صَناديدَ العَرَبِ۱۳، وقَتَلَ أبطالَهُم، وناهَشَ ذُؤبانَهُم۱۴، وأَودَعَ قُلوبَهُم أحقاداً بَدرِيَّةً وخَيبَرِيَّةً وحُنَينِيَّةً وغَيرَهُنَّ، فَأَضَبَّت۱۵ عَلى عَداوَتِهِ، وأَكَبَّت عَلى مُنابَذَتِهِ، حَتّى قَتَلَ النّاكِثينَ وَالقاسِطينَ وَالمارِقينَ۱۶.
ولَمّا قَضى نَحبَهُ وقَتَلَهُ أشقَى الآخِرينَ يَتبَعُ أشقَى الأَوَّلينَ، لَم يُمتَثَل أمرُ رَسولِ اللّهِ صلی الله علیه و آله فِي الهادينَ بَعدَ الهادينَ، وَالاُمَّةُ مُصِرَّةٌ عَلى مَقتِهِ، مُجتَمِعَةٌ عَلى قَطيعَةِ رَحِمِهِ وإقصاءِ وُلدِهِ، إلّا القَليلَ مِمَّن وَفى لِرِعايَةِ الحَقِّ فيهِم.
فَقُتِلَ مَن قُتِلَ، وسُبِيَ مَن سُبِيَ، واُقصِيَ مَن اُقصِيَ، وجَرَى القَضاءُ لَهُم بِما يُرجى لَهُ حُسنُ المَثوبَةِ، إذ كانَتِ الأَرضُ للّهِ يورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ الصّالِحينَ، وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ، وسُبحانَ رَبِّنا، إن كانَ وَعدُ رَبِّنا لَمَفعولاً، ولَن يُخلِفَ اللّهُ وَعدَهُ، وهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ.
فَعَلَى الأَطائِبِ مِن أهلِ بَيتِ مُحَمَّدٍ وعَلِيٍّ ـ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِما وآلِهِما ـ فَليَبكِ الباكونَ، وإيّاهُم فَليَندُبِ النّادِبونَ، ولِمِثلِهِم فَلتَدُرَّ الدُّموعُ، وَليَصرُخِ الصّارِخونَ ويَضِجَّ الضّاجّونَ ويَعِجَّ العاجّونَ:
أينَ الحَسَنُ؟ أينَ الحُسَينُ؟ أينَ أبناءُ الحُسَينِ؟ صالِحٌ بَعدَ صالِحٍ، وصادِقٌ بَعدَ صادِقٍ، أيَن السَّبيلُ بَعدَ السَّبيلِ؟ أينَ الخِيَرَةُ بَعدَ الخِيَرَةِ؟ أينَ الشُّموسُ الطّالِعَةُ؟ أينَ الأَقمارُ المُنيرَةُ؟ أينَ الأَنجُمُ الزّاهِرَةُ؟ أينَ أعلامُ الدّينِ وقَواعِدُ العِلمِ؟ أينَ بَقِيَّةُ اللّهِ الَّتي لاتَخلو مِنَ العِترَةِ الهادِيَةِ؟ أينَ المُعَدُّ لِقَطعِ دابِرِ الظَّلَمَةِ؟ أينَ المُنتَظَرُ لِإِقامَةِ الأَمتِ۱۷ وَالعِوَجِ؟ أينَ المُرتجى لِإزالَةِ الجَورِ وَالعُدوانِ؟ أينَ المُدَّخَرُ لِتَجديدِ الفَرائِضِ وَالسُّنَنِ؟ أينَ المُتَخَيَّرُ لِإعادَةِ المِلَّةِ وَالشَّريعَةِ؟ أينَ المُؤَمَّلُ لِإِحياءِ الكِتابِ وحُدودِهِ؟ أينَ مُحيي مَعالِمِ الدّينِ وأَهلِهِ؟ أينَ قاصِمُ شَوكَةِ المُعتَدينَ؟ أينَ هادِمُ أبنِيَةِ الشِّركِ وَالنِّفاقِ؟ أينَ مُبيدُ أهلِ الفُسوقِ وَالعِصيانِ؟ أينَ حاصِدُ فُروعِ الغَيِّ وَالشِّقاقِ؟ أينَ طامِسُ آثارِ الزَّيغِ وَالأَهواءِ؟ أينَ قاطِعُ حَبائِلِ الكِذبِ وَالاِفتِراءِ؟ أينَ مُبيدُ العُتاةِ وَالمَرَدَةِ؟ أينَ مُعِزُّ الأَولِياءِ ومُذِلُّ الأَعداءِ؟ أينَ جامِعُ الكَلِمَةِ عَلَى التَّقوى؟
أينَ بابُ اللّهِ الَّذي مِنهُ يُؤتى؟ أيَن وَجهُ اللّهِ الَّذي إلَيهِ تَتَوَجَّهُ الأَولِياءُ؟ أينَ السَّبَبُ المُتَّصِلُ بَينَ الأَرضِ وَالسَّماءِ؟ أينَ صاحِبُ يَومِ الفَتحِ وناشِرُ رايَةِ الهُدى؟ أينَ مُؤَلِّفُ شَملِ الصَّلاحِ وَالرِّضا؟ أينَ الطّالِبُ بِذُحولِ الأَنبِياءِ وأَبناءِ الأَنبِياءِ؟ أينَ الطّالِبُ بِدَمِ المَقتولِ بِكَربَلاءَ؟ أينَ المَنصورُ عَلى مَنِ اعتَدى عَلَيهِ وَافتَرى؟ أينَ المُضطَرُّ الَّذي يُجابُ إذا دَعا؟ أينَ صَدرُ الخَلائِفِ ذُو البِرِّ وَالتَّقوى؟ أينَ ابنُ النَبِيِّ المُصطَفى، وَابنُ عَلِيٍّ المُرتضى، وَابنُ خَديجَةَ الغَرّاءِ، وَابنُ فاطِمَةَ الكُبرى؟
بِأَبي أنتَ واُمّي، ونَفسي لَكَ الوِقاءُ وَالحِمى، يَابنَ السّادَةِ المُقَرَّبينَ، يَابنَ النُّجَباءِ الأَكرَمينَ، يَابنَ الهُداةِ المَهدِيّينَ، يَابنَ الخِيَرَةِ المُهَذَّبينَ، يَابنَ الغَطارِفَةِ۱۸ الأَنجَبينَ، يَابنَ الأَطائِبِ المُطَهَّرينَ، يَابنَ الخَضارِمَةِ۱۹ المُنتَجَبينَ، يَابنَ القَماقِمَةِ۲۰ الأَكرَمينَ، يَابنَ البُدورِ المُنيرَةِ، يَابنَ السُّرُجِ المُضيئَةِ، يَابنَ الشُّهُبِ الثّاقِبَةِ، يَابنَ الأَنجُمِ الزّاهِرَةِ، يَابنَ السُّبُلِ الواضِحَةِ، يَابنَ الأَعلامِ اللاّئِحَةِ، يَابنَ العُلومِ الكامِلَةِ، يَابنَ السُّنَنِ المَشهورَةِ، يَابنَ المَعالِمِ المَأثورَةِ، يَابنَ المُعجِزاتِ المَوجودَةِ، يَابنَ الدَّلائِلِ المَشهودَةِ، يَابنَ الصِّراطِ المُستَقيمِ، يَابنَ النَّبَأِ العَظيمِ، يَابنَ مَن هُوَ في اُمِّ الكِتابِ لَدَى اللّهِ عَلِيٌّ حَكيمٌ.
يَابنَ الآياتِ وَالبَيِّناتِ، يَابنَ الدَّلائِلِ الظّاهِراتِ، يَابنَ البَراهينِ الباهِراتِ، يَابنَ الحُجَجِ البالِغاتِ، يَابنَ النِّعَمِ السّابِغاتِ، يَابنَ طه وَالمُحكَماتِ، يَابنَ يس وَالذّارِياتِ، يَابنَ الطّورِ وَالعادِياتِ، يَابنَ مَن دَنا فَتَدَلّى فَكانَ قابَ قَوسَينِ أو أدنى، دُنُوّاً وَاقتِراباً مِنَ العَلِيِّ الأَعلى.
لَيتَ شِعري، أينَ استَقَرَّت بِكَ النَّوى۲۱؟ بَل أيُّ أرضٍ تُقِلُّكَ أو ثَرى؟ أبِرَضوى۲۲، أو غَيرِها، أم ذي طُوى۲۳؟ عَزيزٌ عَلَيَّ أن أرَى الخَلقَ ولا تُرى، ولا أسمَعَ لَكَ حَسيساً ولا نَجوى، عَزيزٌ عَلَيَّ أن تُحيطَ بِكَ دونِيَ البَلوى، ولا يَنالَكَ مِنّي ضَجيجٌ ولا شَكوى.
بِنَفسي أنتَ مِن مُغَيَّبٍ لَم يَخلُ مِنّا، بِنَفسي أنتَ مِن نازِحٍ ما نَزَحَ عَنّا، بِنَفسي أنتَ اُمنِيَّةُ شائِقٍ يَتَمَنّى، مِن مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ ذَكَرا فَحَنّا، بِنَفسي أنتَ مِن عَقيدِ عِزٍّ لا يُسامى، بِنَفسي أنتَ مِن أثيلِ۲۴ مَجدٍ لا يُجازى، بِنَفسي أنتَ مِن تِلادِ۲۵ نِعَمٍ لا تُضاهى، بِنَفسي أنتَ مِن نَصيفِ شَرَفٍ لا يُساوی.
إلى مَتى أحارُ فيكَ يا مَولايَ وإلى مَتى؟ وأَيَّ خِطابٍ أصِفُ فيكَ وأَيَّ نَجوى؟ عَزيزٌ عَلَيَّ أن اُجابَ دونَكَ واُناغى، عَزيزٌ عَلَيَّ أن أبكِيَكَ ويَخذُلَكَ الوَرى، عَزيزٌ عَلَيَّ أن يَجرِيَ عَلَيكَ دونَهُم ما جَرى!
هَل مِن مُعينٍ فَاُطيلَ مَعَهُ العَويلَ وَالبُكاءَ؟ هَل مِن جَزوعٍ فَاُساعِدَ جَزَعَهُ إذا خَلا؟ هَل قَذِيَت۲۶ عَينٌ فَساعَدَتها عَيني عَلَى القَذى؟
هَل إلَيكَ يَابنَ أحمَدَ سَبيلٌ فَتُلقى؟ هَل يَتَّصِلُ يَومُنا مِنكَ بِغَدِهِ فَنَحظى؟ مَتى نَرِدُ مِناهِلَكَ الرَّوِيَّةَ فَنَروى؟ مَتى نَنتَقِعُ۲۷ مِن عَذبِ مائِكَ فَقَد طالَ الصَّدى۲۸؟ مَتى نُغاديكَ ونُراوِحُكَ فَتَقَرَّ عُيونُنا؟ مَتى تَرانا ونَراكَ وقَد نَشَرتَ لِواءَ النَّصرِ تُرى؟ أتَرانا نَحُفُّ بِكَ وأَنتَ تَؤُمُّ المَلَأَ وقَد مَلَأتَ الأَرضَ عَدلاً، وأَذَقتَ أعداءَكَ هَواناً وعِقاباً، وأَبَرتَ۲۹ العُتاةَ وجَحَدَةَ الحَقِّ، وَقَطَعتَ دابِرَ المُتَكَبِّرينَ، وَاجتَثَثتَ اُصولَ الظّالِمينَ، ونَحنُ نَقولُ: الحَمدُ للّهِ رَبِّ العالَمينَ؟! اللهُمَّ أنتَ كَشّافُ الكُرَبِ وَالبَلوى، وإلَيكَ أستَعدي فَعِندَكَ العَدوى۳۰، وأَنتَ رَبُّ الآخِرَةِ وَالاُولى، فَأَغِث يا غِياثَ المُستَغيثينَ عُبَيدَك المُبتَلى، وأَرِهِ سَيِّدَهُ يا شَديدَ القُوى، وأَزِل عَنهُ بِهِ الأَسى وَالجَوى۳۱، وبَرِّد غَليلَهُ يا مَن عَلَى العَرشِ استَوى، ومَن إلَيهِ الرُّجعى وَالمُنتَهى.
اللهُمَّ ونَحنُ عَبيدُكَ التّائِقونَ۳۲ إلى وَلِيِّكَ، المُذَكِّرِ بِكَ وبِنَبِيِّكَ، خَلَقتَهُ لَنا عِصمَةً ومَلاذاً، وأَقَمتَهُ لَنا قِواماً ومَعاذاً، وجَعَلتَهُ لِلمُؤمِنينَ مِنّا إماماً، فَبَلِّغهُ مِنّا تَحِيَّةً وسَلاماً، وزِدنا بِذلِكَ يا رَبِّ إكراماً، وَاجعَل مُستَقَرَّهُ لَنا مُستَقَرّاً ومُقاماً، وأَتمِم نِعمَتَكَ بِتَقديمِكَ إيّاهُ أمامَنا حَتّى تورِدَنا جِنانَكَ، ومُرافَقَةَ الشُّهَداءِ مِن خُلَصائِكَ.
اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ۳۳، وصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ جَدِّهِ رَسولِكَ السَّيِّدِ الأَكبَرِ، وعَلى أبيهِ السَّيِّدِ الأَصغَرِ، وجَدَّتِهِ الصِّدّيقَةِ الكُبرى فاطِمَةَ بِنتِ مُحَمَّدٍ، وعَلى مَنِ اصطَفَيتَ مِن آبائِهِ البَرَرَةِ، وعَلَيهِ أفضَلَ وأَكمَلَ، وأَتَمَّ وأَدوَمَ، وأَكبَرَ وأَوفَرَ ما صَلَّيتَ عَلى أحَدٍ مِن أصفِيائِكَ وخِيَرَتِكَ مِن خَلقِكَ، وصَلِّ عَلَيهِ صَلاةً لا غايَةَ لِعَدَدِها، ولا نِهايَةَ لِمَدَدِها ولانفاد لأمدها.
اللهُمَّ وأَقِم بِهِ الحَقَّ، وأَدحِض بِهِ الباطِلَ، وأَدِل۳۴ بِهِ أولِياءَكَ، وأَذلِل بِهِ أعداءَكَ، وصِلِ اللهُمَّ بَينَنا وبَينَهُ وُصلَةً تُؤَدّي إلى مُرافَقَةِ سَلَفِهِ، وَاجعَلنا مِمَّن يَأخُذُ بِحُجزَتِهِم۳۵، ويَمكُثُ في ظِلِّهِم، وأَعِنّا عَلى تَأدِيَةِ حُقوقِهِ إلَيهِ، وَالاِجتِهادِ في طاعَتِهِ، وَاجتِنابِ مَعصِيَتِهِ. وَامنُن عَلَينا بِرِضاهُ، وهَب لَنا رَأفَتَهُ ورَحمَتَهُ، ودُعاءَهُ وخَيرَهُ، ما نَنالُ بِهِ سَعَةً مِن رَحمَتِكَ، وفَوزاً عِندَكَ، وَاجعَل صَلاتَنا بِهِ مَقبولَةً، وذُنوبَنا بِهِ مَغفورَةً، ودُعاءَنا بِهِ مُستَجاباً، وَاجعَل أرزاقَنا بِهِ مَبسوطَةً، وهُمومَنا بِهِ مَكفِيَّةً، وحَوائِجَنا بِهِ مَقضِيَّةً، وأَقبِل إلَينا بِوَجهِكَ الكَريمِ، وَاقبَل تَقَرُّبَنا إلَيكَ، وَانظُر إلَينا نَظرَةً رَحيمَةً نَستَكمِلُ بِهَا الكَرامَةَ عِندَكَ، ثُمَّ لا تَصرِفها عَنّا بِجودِكَ، وَاسقِنا مِن حَوضِ جَدِّهِ صلی الله علیه و آله بِكَأسِهِ وبِيَدِهِ، رَيّاً رَوِيّاً، هَنيئاً سائِغاً۳۶، لا ظَمَأَ بَعدَهُا۳۷، يا أرحَمَ الرّاحِمينَ.۳۸
1.. قال في الإقبال: «دعاء آخر بعد صلاة العيد ويدعى به في الأعياد الأربعة».
2.. الدَنيّ: الضعيف الخسيس (لسان العرب: ج۱۴ ص۲۷۴ «دنو»).
3.. الزِّبرِجُ: الزينة والذهب (النهاية: ج۲ ص۲۹۴ «زبرج»).
4.. الذرائع: جمع ذريعة؛ وهي الوسيلة (المزار الكبير: ج۳ ص۱۲۱۱ «ذرع»).
5.. البُراق: وهي الدابّة التي ركبها رسول الله صلی الله علیه و آله ليلة الإسراء، سمّي بذلك لنصوع لونه وشدّة بريقه (النهاية: ج۱ ص۱۲۰ «برق»).
6.. مسوِّمين: أي مُعَلِّمين أنفسهم أو خيلهم بعلامة يعرفون بها في الحرب (مجمع البحرين: ج۲ ص۹۱۱ «سوم»).
7.. آل عمران: ۹۶ و ۹۷.
8.. الأحزاب: ۳۳.
9.. الفرقان: ۵۷.
10.. في المصدر: «وَلِيُّهُ»، وما في المتن أثبتناه من المصادر الاُخرى.
11.. العِدَة: الوعد، ويجمع على عدات (المزار الكبير: ج۲ ص۵۵۱ «وعد»).
12.. وَتَرَتُ الرَجُل: إذا قتلت له قتيلاً (لسان العرب: ج۵ ص۲۷۴ «وتر»).
13.. صَنَادِيدُ العرب: أشرافهم وعظماؤهم ورؤساؤهم (النهاية: ج۳ ص۵۵ «صند»).
14.. قال العلّامة المجلسي قدسسره: قوله: «ناهش ذُؤبانهم» في بعض النسخ: «ناوش»، يُقال: نهشه، أي عضّه أو أخذه بأضراسه. والمناوشة: المناولة في القتال. وذؤبان العرب: صعاليكهم ولصوصهم (بحار الأنوار: ج۱۰۲ ص۱۲۳).
15.. أضبّوا عليه: أي أكثروا. يقال: أضبّوا؛ إذا تكلّموا متتابعاً، وإذا نهضوا في الأمر جميعاً (النهاية: ج۳ ص۷۰ «ضبب»).
16.. الناكثون: أهل الجمل؛ لأنّهم نكثوا البيعة؛ أي نقضوها. والقاسطون: أهل صفّين؛ لأنّهم جاروا في حكمهم وبغوا عليهم. والمارقون: الخوارج؛ لأنّهم مرقوا من الدين (مجمع البحرين: ج۳ ص۱۸۳۰ «نکث»).
17.. الأمت: الانخفاض والارتفاع والاختلاف في الشيء (لسان العرب: ج۲ ص۵ «أمت»).
18.. الغطارفة: جمع الغِطريف؛ وهو السيّد الشريف والسخيّ السَّرِيّ (القاموس المحيط: ج۳ ص۱۸۱ «غطرف»).
19.. الخِضرِم: الجواد الكثير العطيّة (لسان العرب: ج۱۲ ص۱۸۴ «خضرم»).
20.. القِمقام: السيّد (النهاية: ج۴ ص۱۱۰ «قمقم»).
21.. النَّوى: الوجه الّذي يذهب فيه، والبُعد، والدار، والتحوّل من مكان إلى آخر (القاموس المحيط: ج۴ ص۳۹۷ «نوی»).
22.. رضوى: جبل في المدينة (معجم البلدان: ج۳ ص۵۱).
23.. ذو طُوى: موضع عند مكّة (معجم البلدان: ج۴ ص۴۵).
24.. مَجدٌ أثيل: قديم (لسان العرب: ج۱۱ ص۹ «أثل»).
25.. التالد: المال القديم الّذي وُلد عندك (النهاية: ج۱ ص۱۹۴ «تلد»).
26.. القَذَى في العين: مايسقط فيه من تراب أو تبن أو وسخ، كأنه يريد الكدورة الّتي حصلت للمؤمن من حوادث الدهر (مجمع البحرين: ج۳ ص۱۴۵۵ «قذي»).
27.. نقع من الماء: رَوِيَ (لسان العرب: ج۸ ص۳۶۱ «نقع»).
28.. الصَدَى: العَطَش (المزار الكبير: ج۶ ص۲۳۹۹ «صدي»).
29.. أبَرَ القَومَ: أهلكهم (القاموس المحيط: ج۱ ص۳۶۱ «أبر»).
30.. العَدوى: طَلَبُك إلى والٍ ليُعدِيَكَ على من ظَلَمَكَ أي يَنتَقِم منه... والعَدوى: النُّصرَة والمَعونَة (لسان العرب: ج۱۵ ص۳۹ «عدو»).
31.. الجوى: الحرقة وشدّة الوجد من عشق أو حزن (المزار الكبير: ج۶ ص۲۳۰۶).
32.. نفس تائقة: أي مشتاقة. وتاقت نفسه إلى الشيء: اشتاقت ونازعت إليه (مجمع البحرين: ج۱ ص۲۳۴ «توق»).
33.. في الإقبال: «اللهمَّ صَلِّ عَلى حُجَّتِكَ ووَلِيِّ أمرِكَ» بدل «اللهمَّ صَلِّ عَلى محمّد وآلِ محمّد» وهو الأنسب.
34.. الإدالة: الغَلَبة. يقال: اُديلَ لنا على أعدائنا؛ أي نُصرنا عليهم وكانت الدولة لنا. والدَّولة: الانتقال من حال الشدّة إلى الرخاء (النهاية: ج۲ ص۱۴۱ «دول»).
35.. أصل الحُجزة: موضع شدّ الإزار، ثمّ قيل للإزار حُجزة للمجاورة، فاستعاره للاعتصام والالتجاء والتمسّك بالشيء والتعلّق به (النهاية: ج۱ ص۳۴۴ «حجر»).
36.. سائِغ: عذب (لسان العرب: ج۸ ص۴۳۵).
37.. الظاهر: «بعده» کما في المصادر الاُخری.
38.. المزار الكبير: ص۵۷۳ ح۲، مصباح الزائر: ص۴۴۶، الإقبال: ج۱ ص۵۰۴ كلاهما نحوه، بحار الأنوار: ج۱۰۲ ص۱۰۴ ح۲.