45
الجنّة والنّار في الکتاب والسّنّة

المكلّفين ، حيث يقول صدر المتألّهين (صدر الدين الشيرازي) في بيان هذا الرأي : إنَّ جهنّم من أعظم المخلوقات ، وهي سجن اللّه‏ في الآخرة ... واختلف الناس فيها ، هل خلقت بعدُ أو لم تخلق ؟ والخلاف مشهور فيها . وكذلك اختلفوا في الجنّة . وأمّا عندنا وعند أصحابنا أهل الكشف والتعريف فهما مخلوقتان غير مخلوقتين ؛ وأمّا قولنا : «مخلوقتان» فكرجل يبني دارا فأقام حيطانها كلّها الحاوية عليها خاصّة ، فيقال : هي دار ، فإذا دخلتها لم ترَ إلّا سورا دائرا على فضاء و ساحة ، ثمّ بعد ذلك ينشئ بيوتها على أغراض الساكنين فيها ، من بيوت وغرف وسرادق ومسالك ومخازن وما ينبغي أن يكون فيها ، وهي دار ، حرورها هواء محرق ، لا جمر لها سوى بني آدم والأحجار المتّخذة آلهة ، والجنّ لهبها ، قال تعالى : «وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجَارَةُ» وقال : «إِنَّكُمْ وَ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ» ، وقال : «فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَ الْغَاوُنَ * وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ» ، وتحدث فيها الآلات بحدوث أعمال الجنّ والإنس الذين يدخلونها . ۱
والجدير بالذكر أنّ هذه النظرية ، تبتني على أن ليس للجنّة والنار وجودان مستقلّان عن الإنسان ، كما صرّح بذلك صدر المتألّهين قائلاً :
وقد علمت أنّ جنّة المؤمن أو جحيم الكافر ، ليست بأمرٍ خارجٍ عن نفسه ، فإذا كانت معدّة اليوم كانت متّصلة بها ، وإن كان هو في حجاب عنها . ۲
ولكنّ ظاهر الآيات القرآنية والأحاديث الإسلامية ، تدلّان على وجودهما المستقلّ المرتبط في الوقت نفسه بعمل الإنسان . وفي هذه الاُمور التي لا يمكن درك حقيقتها ، من الواجب علينا التصديق بما قاله القرآن الكريم والأحاديث .

1.. الحكمة المتعالية : ج ۵ ص ۳۶۵ .

2.الحكمة المتعالية : ج ۵ ص ۳۳۵ .


الجنّة والنّار في الکتاب والسّنّة
44

۲ . الوجود الفعلي للجنّة والنار ، يتنافى مع الحكمة

وأمّا الاستدلال الآخر على الوجود الفعلي للجنّة والنار فهو أنّ إيجادهما قبل القيامة هو من باب العبث ومنافٍ للحكمة ؛ ذلك لأنّ أحدا لا يدخل الجنّة والنار قبل يوم الجزاء ، وبناءً على ذلك فإنّ خلق الجنّة قبله هو بمثابة بناء بيت ، أو سجن لأشخاص سوف يأتون إلى الدنيا بعد آلاف السنين . وقد نقل عن الهشامية قولهم : إنّ الجنّة والنار ليستا مخلوقتين ، إذ لا فائدة في وجودهما وهما خاليتان ممّن ينتفع ويضرّ بهما ۱ .
والجواب على ذلك :
أوّلاً : إنّ‏العقل لا يمكنه أن يكتشف حكمة وجود شيء مّا من دون الإحاطة بأسرار الخلق ، وبناءً على ذلك فإنّ خلو الجنّة والنار قبل القيامة لا يدلّ على عبثية خلقهما .
ثانيا : لو كنّا نعتقد بأنّ الجنّة والنار معلولتان لعملنا لكانت بين الجزاء والعمل رابطة تكوينية ، ولا تحتاج حكمة وجودهما إلى توضيح وبيان .

الرأي الثالث : الجمع بين الوجود الفعلي للجنّة والنار وعدم وجودهما

للجنّة والنار ـ على أساس هذا الرأي ـ وجود فعلي بمعنى ، وليس لهما وجود فعلي بمعنى آخر .
فالوجود الفعلي للجنّة والنار يعني أنّ أرضية نشوئهما في هذا العالم موجودة بالفعل في وجود كلّ الناس ، ويعني عدم وجودهما الفعلي أنّ أسباب وعوامل خلق الجنّة والنار هي الأعمال الصالحة للبشر والتي تصدر منهم تدريجيا طيلة مدّة حياتهم ، وبناءً على ذلك فإنّ الجنّة والنار ليس لهما وجود قبل صدور الفعل من

1.. الملل والنحل ، ج ۱ ص ۷۲ .

  • نام منبع :
    الجنّة والنّار في الکتاب والسّنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همكاری: سیّد رسول موسوی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 77550
صفحه از 904
پرینت  ارسال به