۲ . الوجود الفعلي للجنّة والنار ، يتنافى مع الحكمة
وأمّا الاستدلال الآخر على الوجود الفعلي للجنّة والنار فهو أنّ إيجادهما قبل القيامة هو من باب العبث ومنافٍ للحكمة ؛ ذلك لأنّ أحدا لا يدخل الجنّة والنار قبل يوم الجزاء ، وبناءً على ذلك فإنّ خلق الجنّة قبله هو بمثابة بناء بيت ، أو سجن لأشخاص سوف يأتون إلى الدنيا بعد آلاف السنين . وقد نقل عن الهشامية قولهم : إنّ الجنّة والنار ليستا مخلوقتين ، إذ لا فائدة في وجودهما وهما خاليتان ممّن ينتفع ويضرّ بهما ۱ .
والجواب على ذلك :
أوّلاً : إنّالعقل لا يمكنه أن يكتشف حكمة وجود شيء مّا من دون الإحاطة بأسرار الخلق ، وبناءً على ذلك فإنّ خلو الجنّة والنار قبل القيامة لا يدلّ على عبثية خلقهما .
ثانيا : لو كنّا نعتقد بأنّ الجنّة والنار معلولتان لعملنا لكانت بين الجزاء والعمل رابطة تكوينية ، ولا تحتاج حكمة وجودهما إلى توضيح وبيان .
الرأي الثالث : الجمع بين الوجود الفعلي للجنّة والنار وعدم وجودهما
للجنّة والنار ـ على أساس هذا الرأي ـ وجود فعلي بمعنى ، وليس لهما وجود فعلي بمعنى آخر .
فالوجود الفعلي للجنّة والنار يعني أنّ أرضية نشوئهما في هذا العالم موجودة بالفعل في وجود كلّ الناس ، ويعني عدم وجودهما الفعلي أنّ أسباب وعوامل خلق الجنّة والنار هي الأعمال الصالحة للبشر والتي تصدر منهم تدريجيا طيلة مدّة حياتهم ، وبناءً على ذلك فإنّ الجنّة والنار ليس لهما وجود قبل صدور الفعل من