43
الجنّة والنّار في الکتاب والسّنّة

دليل منكري الوجود الفعلي للجنّة والنار

استدلّ منكرو الوجود الفعلي للجنّة والنار على هذا المدّعى بدليلين وهما :

۱ . فناء ما في هذا العالم

يتمثّل الدليل الأوّل لهم المنكرين بأنّ الجنّة والنار هما الآخرة الدائمة ، في حين أنّ ما هو موجود في هذا العالم فانٍ وزائل ، فقد صرّح السيّد الرضي رحمه‏الله في هذا المجال قائلاً :
والصحيح أنّهما تخلقان بَعدُ ، وممّا يستدلّ به على ذلك قوله تعالى في وصف الجنّة : «أُكُلُهَا دَائِمٌ وَ ظِـلُّهَا» ، ۱ وقد دلّ الدليل على أنّ كلّ مخلوق الآن لابدّ أن يفنى . ۲ وإذا لاحظنا هذين الدليلين ، وقارنّا بينهما كانت النتيجة : أنّ الجنّة والنار غير مخلوقتين . ۳
ولهذا السبب فقد قُدّمت أجوبة عديدة ، وهي عبارة عمّا يلي :
أوّلاً : توجد ملازمة عقليّة بين دوام نِعَم الجنّة وبين وجودها الحالي ؛ إذ أنّه يمكن القول بأنّ دوام نِعَم الجنّة يشمل ما قبل دخول أهل الجنّةِ إلى الجنّةَ أيضا .
ثانيا : ليس المراد من فناء الأشياء في هذا العالم فناءها المطلق ، بل المقصود فناؤها الذاتي .
ثالثا : يمكن القول بأنّ المراد من الآية : «كُلُّ شَىْ‏ءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ» انتقال كلّ موجودات هذا العالم إلى العالم الآخر في المستقبل . و بناءً على ذلك فإنّ الجنّة والنار الأُخرويّتين خارجتان على وجه الخصوص من مدلول الآية المذكورة .

1.. الرعد : ۳۵ .

2.. إشارة إلى الآية الكريمة «كُلُّ شَىْ‏ءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ» .

3.. حقائق التأويل : ص ۲۴۶ .


الجنّة والنّار في الکتاب والسّنّة
42

يقول الشيخ المفيد بعد ادّعاء الإجماع على الرأي الأول :
وقد خالف في هذا القول المعتزلة والخوارج وطائفة من الزيديّة ، فزعم أكثر من سمّيناه أنّ ما ذكرناه من خلقهما من قسم الجائز دون الواجب ، ووقفوا في الوارد به من الآثار ، وقال من بقي منهم بإحالة خلقهما . ۱
وحكى العلّامة الحلّي قدس‏سره عن أبي عليّ الجبائي وأبي الحسين البصري وأبي الحسن الأشعري أنّهم قالوا بأنّ الجنّة والنار مخلوقتان الآن ، وحكى خلاف ذلك عن أبي هاشم بن الجبائي والقاضي عبد الجبّار بن أحمد الرازي . ۲
كما نسب هذا الرأي من بين الإمامية إلى السيّد الرضي ـ رضوان اللّه‏ تعالى عليه ـ فقد ذكر في كتاب حقائق التأويل :
في ذكر الجنّة والنار هل هما مخلوقتان الآن أم تخلقان بعد فناء العباد . وقد اختلف العلماء في ذلك ، فمنهم من قال : هما الآن مخلوقتان ، وقال بعضهم : إنّ الجنّة خاصّة مخلوقة ، والصحيح أنّهما تخلقان بعد . ۳
ويقول العلّامة المجلسي رحمه‏الله في هذا الخصوص :
اعلم أنّ الإيمان بالجنّة والنار على ما وردتا في الآيات والأخبار من غير تأويل من ضروريّات الدين ، ومنكرهما أو مؤوّلهما بما أوّلت به الفلاسفة خارج من الدين . وأمّا كونهما مخلوقتان الآن فقد ذهب إليه جمهور المسلمين إلّا شرذمة من المعتزلة ، فإنّهم يقولون : سيخلقان في القيامة ، والآيات والأخبار المتواترة دافعة لقولهم ، مزيّفة لمذهبهم ، والظاهر أنّه لم يذهب إلى هذا القول السخيف أحد من الإمامية ، إلّا ما ينسب إلى السيّد الرضيّ رضي اللّه‏ عنه . ۴

1.. أوائل المقالات : ص ۱۲۴ .

2.. كشف المراد : ص ۴۵۳ .

3.. حقائق التأويل : ص ۲۴۵ ـ ۲۴۸ .

4.. بحار الأنوار : ج ۸ ص ۲۰۵ .

  • نام منبع :
    الجنّة والنّار في الکتاب والسّنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همكاری: سیّد رسول موسوی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 77532
صفحه از 904
پرینت  ارسال به