سألناه، وما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحد إلّا من أمرٍ كنت تستره.
فقال أيّوب: وعزّة ربي إنّه ليعلم أنّي ما أكلت طعاماً إلّا ويتيم أو ضعيف يأكل معي، وما عرض لي أمران كلاهما طاعة للَّه إلّا أخذت بأشدّهما على بدني.
فقال الشابّ: شوهٍ لكم، عمدتم إلى نبيّ اللَّه فعيّرتموه، حتّى أظهر من عبادة ربّه ما كان يسترها.
فقال: أيّوب: يا ربّ، لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجّتي.
أقول: لا يقول ذلك إلّا من لا يعرف منزلة الأنبياء، ويقول بجواز الخطأ والقبائح عليهم، فإنّ الإمامية لم يقل أحد من المسلمين وغيرهم بمثل مقالتهم في تنزيه الأنبياء والأئمّة وتنزيه الباري سبحانه، ولهم الكتب المجيدة في التنزيه، وقد ذكرت في كتابي المسمّى بالوجيز في تفسير الكتاب العزيز، الدلائل القاطعة على ذلك، فمن أراد ذلك فعليه بذلك الكتاب؛ فإنّه غاية فيما يراد من ذلك وغيره من جميع ما قيل.
فبعث اللَّه إليه غمامة، فقال: يا أيّوب، أدل بحجّتك، فقد أقعدتك مقعد الحكم، وها أنا ذا قريب، ولم أزل.
فقال: يا ربّ، إنّك لتعلم أنّه لم يعرض لي أمران قطّ كلاهما لك طاعة إلّا أخذت بأشدّهما على نفسي، ألم أحمدك، أ لم أشكرك؟، أ لم أسبحك؟ أ لم أمجّدك؟.
قال: فنودي من الغمامة بعشرة ألف لسان: يا أيّوب لا تقل ذلك، ولا يقول ذلك إلّا من لا يعرف. من صيّرك تعبد اللَّه والناس عنه غافلون؟ وتحمده وتسبّحه وتكبّره والناس عنه غافلون؟ أتمنّ على اللَّه بما للَّه فيه المنّة عليك؟
قال: فأخذ أيّوب التراب، فوضعه في فيه، ثمّ قال: لك العتبى يا ربّ، لك العتبى، أنت فعلت ذلك بي، أنت فعلت ذلك بي، أنت فعلت. فأنزل اللَّه عليه ملكاً، فركض موضعه برجله، فخرج الماء، فغسله بذلك الماء، فعاد أحسن ما كان، وأطرأ، وأنبت اللَّه عليه روضة خضراء، وردّ عليه أهله وماله وولده وزرعه، وقعد معه الملك يحدّثه ويؤنسه.
فأقبلت إمرأته ومعها الكسر، فلمّا انتهت إلى الموضع إذا الموضع متغيّر الحال، وإذا رجلان جالسان، فبكت، وصاحت، وقالت: يا أيّوب، ما دهاك؟