447
مختصر تفسير القمّي

سألناه، وما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحد إلّا من أمرٍ كنت تستره.
فقال أيّوب: وعزّة ربي إنّه ليعلم أنّي ما أكلت طعاماً إلّا ويتيم أو ضعيف يأكل معي، وما عرض لي أمران كلاهما طاعة للَّه إلّا أخذت بأشدّهما على بدني.
فقال الشابّ: شوهٍ لكم، عمدتم إلى نبيّ اللَّه فعيّرتموه، حتّى أظهر من عبادة ربّه ما كان يسترها.
فقال: أيّوب: يا ربّ، لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجّتي.
أقول: لا يقول ذلك إلّا من لا يعرف منزلة الأنبياء، ويقول بجواز الخطأ والقبائح عليهم، فإنّ الإمامية لم يقل أحد من المسلمين وغيرهم بمثل مقالتهم في تنزيه الأنبياء والأئمّة وتنزيه الباري سبحانه، ولهم الكتب المجيدة في التنزيه، وقد ذكرت في كتابي المسمّى بالوجيز في تفسير الكتاب العزيز، الدلائل القاطعة على ذلك، فمن أراد ذلك فعليه بذلك الكتاب؛ فإنّه غاية فيما يراد من ذلك وغيره من جميع ما قيل.
فبعث اللَّه إليه غمامة، فقال: يا أيّوب، أدل بحجّتك، فقد أقعدتك مقعد الحكم، وها أنا ذا قريب، ولم أزل.
فقال: يا ربّ، إنّك لتعلم أنّه لم يعرض لي أمران قطّ كلاهما لك طاعة إلّا أخذت بأشدّهما على نفسي، ألم أحمدك، أ لم أشكرك؟، أ لم أسبحك؟ أ لم أمجّدك؟.
قال: فنودي من الغمامة بعشرة ألف لسان: يا أيّوب لا تقل ذلك، ولا يقول ذلك إلّا من لا يعرف. من صيّرك تعبد اللَّه والناس عنه غافلون؟ وتحمده وتسبّحه وتكبّره والناس عنه غافلون؟ أتمنّ على اللَّه بما للَّه فيه المنّة عليك؟
قال: فأخذ أيّوب التراب، فوضعه في فيه، ثمّ قال: لك العتبى يا ربّ، لك العتبى، أنت فعلت ذلك بي، أنت فعلت ذلك بي، أنت فعلت. فأنزل اللَّه عليه ملكاً، فركض موضعه برجله، فخرج الماء، فغسله بذلك الماء، فعاد أحسن ما كان، وأطرأ، وأنبت اللَّه عليه روضة خضراء، وردّ عليه أهله وماله وولده وزرعه، وقعد معه الملك يحدّثه ويؤنسه.
فأقبلت إمرأته ومعها الكسر، فلمّا انتهت إلى الموضع إذا الموضع متغيّر الحال، وإذا رجلان جالسان، فبكت، وصاحت، وقالت: يا أيّوب، ما دهاك؟


مختصر تفسير القمّي
446

أقول: في هذا الكلام أنظار؛ فإنّ النبوّة لا تكون في خاتم وغيره، ووصيّ نبيّ لا يكون أعلم منه، فليتأمّل؛ فإنّ هذا الكلام لا يقوله من عرف الأنبياء وقدرهم عند اللَّه، وإنّما يقوله المجسّمة من أهل الظاهر والحشوية، وإنّ الإماميّة تنزّه اللَّه ورسوله وأئمّته من جميع القبائح مثلهم، فلا تنسب إليهم هذه الهذيانات؛ فإنّ هذه الأقوال الباطلة من أقوال الحشويّة.
[ ۴۱ ] قوله: «وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ»...الآية، فإنّه روي: أنّه لم يكن أحد من أنبياء اللَّه أحد أكثر شكراً وحمداً للَّه من أيّوب، وكان اللَّه قد رزقه مالاً وأهلاً وولداً وزرعاً وغنماً ودواباً ونعمةً واسعةً، فأغاظ إبليس أيّوب وكثرة حمده وشكره للَّه، فقال: يا ربّ إنّما يشكرك أيّوب بما وسّعت عليه، فلو ابتليته بنقص ماله لقلّ شكره، فقال: كذبت يا ملعون. ۱ فقال: يا ربّ، سلّطني على غنمه. فسلطه على غنمه، فأهلكها، فازداد أيّوب للَّه شكرا و حمدا. فقال: يا ربّ، سلّطني على بدنه، فسلّطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه، فنفخ فيه إبليس، فصار قرحة واحدة، من قرنه إلى قدمه، فبقي على ذلك عمراً طويلاً يحمد اللَّه ويشكره، حتّى وقع في بدنه الدود، وكانت تخرج من بدنه فيردّها، ويقول لها: إرجعي إلى موضعك الذي خلقك اللَّه منه، ونتن حتّى أخرجه أهل القرية من القرية، وألقوه في المزبلة خارج القرية. وكانت إمرأته رحمة بنت يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (صلوات اللَّه عليهم وعليها) تتصدّق من الناس وتأتيه بما تجده.
قال: فلمّا طال عليه البلاء، ورأى إبليس صبره أتى أصحاباً له كانوا رهباناً في الجبال، فقال: مروّا بنا إلى هذا العبد المبتلى، نسأله عن بليّته. فركبوا بغالاً شهباً وجاءوا، فلمّا دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه، فقرّبوا بعضاً إلى بعض، ثمّ مشوا إليه، وكان فيهم شابّ حدث السنّ، فقعدوا إليه، فقالوا: يا أيّوب، لو أخبرتنا بذنبك لعلّ اللَّه يجيبنا إذا

1.العبارة في الأصل هكذا: «إن أيّوب لم يؤدّ إليك شكر هذه النعمة إلّا بما أعطيته من الدنيا، ولو حرمته دنياه ما أدّى إليك شكر نعمة أبداً، فسلّطني على دنياه حتّى تعلم أنّه لا يؤدّي إليك شكر نعمة أبداً. فقيل له: قد سلّطتك على ماله وولده. قال: فانحدر إبليس فلم يبق له مالاً ولا ولداً إلّا أعطبه، فازداد أيّوب للَّه شكراً وحمداً، قال: فسلّطني على زرعه. قال: قد فعلت. فجاء مع شياطينه، فنفخ فيه، فاحترق، فازداد أيّوب للَّه شكراً وحمداً».

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 85124
صفحه از 611
پرینت  ارسال به