443
مختصر تفسير القمّي

أعناقها وسوقها بالسيف حتّى قتلها كلّها ۱ . ۲
أقول: في هذا الكلام نظر؛ فإنّ الأنبياء معصومون من أوّل العمر إلى آخره عن الكبائر والصغائر، وقد قام البرهان على ذلك. ۳
وقوله: إنّ داود كان يحبّ الخيل. أقول: القضية كانت لسليمان إبنه، لا لداود، فليتأمّل.
[ ۳۴ ] قوله: «ولقد فتنّا سليمان وأَلْقَيْنا عَلى‏ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ»، فإنّ سليمان لمّا تزوّج باليمانية ۴ ولد منها ابن، وكان يحبّه، فنزل ملك الموت على سليمان، وكان كثيراً ما ينزل عليه، فنظر إلى ابنه نظراً حديداً، ففزع سليمان من ذلك، فقال لاُمّه: «إنّ ملك الموت قد نظر إلى ابنك نظرة، وما أظنّه إلّا وقد اُمر بقبض روحه».
فقال للجنّ والشياطين: «هل لكم حيلة في ابني أن تفرّون به من ملك الموت؟».
فقال واحد منهم: أنا أضعه تحت عين الشمس في المشرق.
فقال سليمان: «إن ملك الموت ليخرق ما بين المشرق والمغرب».
فقال واحد منهم: أنا أضعه تحت الأرضين السابعة.
فقال: «إنّ ملك الموت يبلغ ذلك».
فقال آخر: أنا أضعه في السحاب في الهواء.
فرفعه، ووضعه في السحاب، فجاء ملك الموت، فقبض روحه في السحاب، فوقع جسده ميّتاً على كرسيّ سليمان، فعلم أنّه قد أخطأ. فحكى اللَّه ذلك في قوله: «وأَلْقَيْنا عَلى‏

1.في الأصل زيادة: «وهو قوله عزّ وجلّ: «رُدُّوها عَلَىَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ والاعْناقِ».

2.رواه البحراني في البرهان، ج ۴، ص ۶۵۳، عن تفسير القمّي. و في تفسير الآية وجهاً آخر، خلاف ما ذكر القمّي، قد رواه الطبرسى في مجمع البيان، ج ۸، ص ۷۴۱، عن أمير المؤمنين عليه السلام و هو الصحيح الموافق لعصمة الأنبياء عليهم السلام و على كلٍّ فإنّ الإماميّة مجمعون على عصمة الأنبياء من كلّ سهو و قبيح و ظلم و فاحشة، و كلّ ما ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام مما يخالف هذا المعتقد فإمّا أن يُؤوّل بتأويل موافق لعصمة الأنبياء و إمّا أن يُرَدُّ. ولا يبعد أن تكون هذا الرواية وأضرابها مما اختلقه الغلاةُ أو المخالفين ووضعوه عن لسان أهل البيت عليهم السلام، فتأمّل.

3.وللمزيد عن تفسير الآية بشكل تلائم عصمة الأنبياء عليهم السلام راجع تنزيه الأنبياء عليهم السلام، ص ۱۳۳ - ۱۳۴.

4.أي بلقيس ملكة سبأ.


مختصر تفسير القمّي
442

وأمّا قوله: «وَهَلْ أَتَاكَ»...الآية، فالخصم لايثنّى ولا يجمع ولا يؤنّث، ثمّ قال: «إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ»، أخرج الكلام على المعنى دون اللفظ؛ لأنّ الخصمين كانا كالقسمين والجنسين، وقيل: بل جمع؛ لأنّ الاثنين أوّل الجمع وأقلّه. وقيل: بل كان مع الخصمين غيرهما ممّن يعينهما.
وأمّا خوفه منهما؛ فلأنّه كان خالياً للعبادة، وفي وقت لا يدخل عليه أحد، أو لانّهما دخلا من غير الباب.
وأمّا قوله: «بَغَى‏ بَعْضُنَا عَلَى‏ بَعْضٍ»، جرى على التقدير والتمثيل، وكذا قوله: «إِنَّ هذَا أَخِى» إلى آخره.
وقوله: «لَقَدْ ظَلَمَكَ»...الآية، إنّما أراد: ظلمك إن كان الأمر كما ذكرت. والفتنة: الاختبار والامتحان. والاستغفار والسجود لم يكن له سبب، بل كان على سبيل الانقطاع والتوبة إلى اللَّه والخضوع.
وقوله: «فَغَفَرْنَا لَهُ ذَ لِكَ» معناه: فقبلناه منه وكتبنا له الثواب عليه، وقال: «فَغَفَرْنَا» مكان «فقبلنا».
وقال أبو مسلم ۱ : الخصمان كانا رجلين لا ملكين، ولم يكنّ عن المرأة بالنعاج، بل هي النعاج ۲ ، ومن عرف هذا لا يحتاج إلى تأويل.
[ ۳۱ ] قوله: «إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِىِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ»...الآية، فإنّ داود كان يحبّ الخيل ويستعرضها، فاستعرضها يوماً إلى أن غابت الشمس، وفاتته صلاة العصر، فاغتمّ من ذلك غمّاً شديداً، فدعا اللَّه عزّ وجلّ أن يردّ عليه الشمس حتّى يصلّي العصر، فردّ اللَّه سبحانه عليه الشمس إلى وقت العصر حتّى صلّاها، ثمّ دعا بالخيل، فأقبل يضرب

1.هو محمّد بن بحر الأصفهاني (۲۵۴ - ۳۲۲ ه) من كبار المفسّرين.

2.راجع تنزيه الأنبياء للسيّد المرتضى، ص ۱۳۱.

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 85475
صفحه از 611
پرینت  ارسال به