441
مختصر تفسير القمّي

فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إليه: يا داود، بيّن له ما كان منك.
فناداه داود عليه السلام، فأجابه في الثالثة، فقال: يا أوريا، فعلت كذا وكذا، وكيت وكيت.
فقال أوريا: أ يفعل الأنبياء مثل هذا؟
فقال: لا، ثمّ ناداه ۱ فلم يجبه، فوقع داود على الأرض باكياً، فأوحى اللَّه إلى صاحب الفردوس أن يريه الفردوس ليكشف عنه ۲ ، فكشف عنه، فقال اُوريا: لمن هذا؟
فقال: لمن غفر لداود خطيئته.
فقال: يا ربّ، قد وهبت له خطيئته.
فرجع داود عليه السلام إلى بني إسرائيل، وكان إذا صلّى يقوم وزيره يحمد اللَّه ويثني على الأنبياء عليهم السلام، ثمّ يقول: كان من فضل نبيّ اللَّه داود قبل الخطيئة كيت وكيت. فاغتمّ داود عليه السلام، فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إليه: يا داود، إنّي قد غفرت لك ووهبت لك خطيئتك، وألزمت عار ذنبك بني إسرائيل.
فقال: وكيف، وأنت الحكم العدل الذي لا يجور؟
قال: لأنّه لم يعاجلوك بالنكير» . ۳
أقول: هذا الذي ذكره ليس رأي الإماميّة. وفي ذلك سؤال آخر، وهو أنّ الملائكة لا تكذب، فكيف قالوا: (خصمان) إلى آخر الآية؟ والجواب عما ذكر، وعن هذا السؤال أيضاً، نقول: إنّ الآية لا دلالة فيها على شي‏ء من وقوع الخطأمن داود، فأمّا ما يذكره المفسّرون وذكره عليّ بن أبراهيم فباطل؛ لتضمّنه خلاف ما يقتضيه العقل في الأنبياء عليهم السلام. ۴

1.كذا في «ب» و «ج». و في «أ»: «فناداه».

2.في «ب» و «ج»: «فقال داود: يا أوريا، اغفر لي، وهب لي خطيئتي. قال: فقال: قد غفرت لك، فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إليه: يا داود، بيّن له ما كان منك. فناداه داود عليه السلام، فأجابه في الثالثة، فقال: يا أوريا، فعلت كذا وكذا، وكيت وكيت. فقال أوريا: هل تفعل الأنبياء مثل هذا؟».

3.رواه البحراني في البرهان، ج ۴، ص ۶۴۸، عن تفسير القمّي. وروى معناه ابن بابويه في عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج ۱، ص ۱۹۱، ح ۱.

4.اعلم أنّ هذه الرواية مما أجمعت الإماميّة على خلافه، فإنّهم اتّفقوا على عصمة الأنبياء من كلّ قبيح وفاحشة، وقد وردت في روايات اُخر على اختلاف ما ورد في المتن، منها: ما رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج ۱، ص ۱۹۱، ح‏۱ وقد فنّد الإمام فيها الشبه المثارة حول عصمة و جملة من الأنبياء بأتقن بيان. هذا و قد أجاب السيّد المرتضى في تنزيه الأنبياء على ما تشير إليه هذه الرواية، فأثبت بطلانها وبرهن على عصمة الأنبياء بكلام وافٍ شاف فراجع: تنزيه الأنبياء عليهم السلام، ص ۱۲۶ - ۱۳۲.


مختصر تفسير القمّي
440

فأوحى اللَّه إليه: تب، يا داود.
فقال: أي: ربّ، و أنّى لي بالتوبة؟
قال: صر إلى قبر أوريا حتّى أبعثه لك، وأسأله أن يغفر لك، فإن غفر لك غفرت لك.
قال: يا ربّ، فإن لم يفعل؟ قال: أشتريك منه.
قال: فخرج داود عليه السلام يمشي على قدميه ويقرأ الزبور، وكان إذا قرأ الزبور لا يبقي حجر ولا شجر ولا جبل ولا طائر ولا سبع إلّا يجاوبه، حتّى انتهى إلى جبل، فإذا عليه نبيّ عابد، يقال له حزقيل، فلمّا سمع دويّ الجبال، وأصوات السباع علم أنّه داود عليه السلام، فقال: هذا النبيّ الخاطئ.
فقال له داود: يا حزقيل، أ تأذن لي أن أصعد إليك؟ قال: لا، فإنّك مذنب.
فبكى داود عليه السلام، فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إلى حزقيل: يا حزقيل، لا تعيّر داود بخطيئته، وسلني العافية.
فنزل حزقيل، وأخذ بيد داود فأصعده إليه.
فقال له داود: يا حزقيل، هل هممت بخطيئة قطّ؟ قال: لا.
قال: فهل دخلك العجب ممّا أنت فيه من عبادة اللَّه عزّ وجلّ؟ قال: لا.
قال: فهل ركنت إلى الدنيا، فأحببت أن تأخذ من شهواتها ولذاتها؟ قال: بلى، ربما عرض ذلك بقلبي.
قال: فما تصنع؟ قال: أدخل هذا الشعب، فأعتبر بما فيه.
قال: فدخل داود عليه السلام الشعب، فإذا بسرير من حديد عليه جمجمة بالية، وعظام نخرة، وإذا لوح من حديد وفيه مكتوب، فقرأه داود عليهم السلام، فإذا فيه: أنا أروى بن أشكم، ملكت ألف سنة، وبنيت ألف مدينة، وافتضضت ألف بكر، وكان آخر أمري أن صار التراب فراشي، والحجارة وسادي، والحيات والديدان جيراني، فمن رآني فلا يغترّ بالدنيا.
ومضى داود حتّى أتى قبر أوريا، فناداه فلم يجبه، ثمّ ناداه ثانية فلم يجبه، ثمّ ناداه ثالثة، فقال أوريا: مالك - يا نبيّ اللَّه - قد شغلتني عن سروري وقرّة عيني؟
فقال داود: يا أوريا، إغفر لي، وهب لي خطيئتي. قال: فقال: قد غفرت لك.

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 85493
صفحه از 611
پرینت  ارسال به