439
مختصر تفسير القمّي

سبيل اللَّه بعث إليهم طالوت، وأنزل عليهم التابوت، وكان التابوت إذا وضع بين بني إسرائيل وبين أعدائهم ورجع عن التابوت إنسان كفر و قتل، ولا يرجع أحد عنه ويقتل.
فكتب داود إلى صاحبه الذي بعثه: أن ضع التابوت بينك وبين عدوّك، وقدّم اُوريا بن حنان بين يدي التابوت، فقدّمه، فقُتل اُوريا، فلمّا قتل اُوريا دخل عليه الملكان، ولم يكن تزوّج بامرأة اُوريا، وكانت في عدّتها، وداود قائم يصلّي في محرابه في يوم عبادته، فدخل عليه الملكان من سقف البيت، وقعدا بين يديه، ففزع داود منهما، فقالا: لا تخف، خصمان بغى بعضنا على بعض، فاحكم بيننا بالحقّ ولا تشطط، واهدنا إلى سواء الصراط. ولداود حينئذ تسع وتسعون امرأة ما بين مهيرة إلى جارية.
فقال أحدهما لداود: «إِنَّ هَذَآ أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِىَ نَعْجَةٌ وَ حِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَ عَزَّنِى فِى الْخِطَابِ ». أي: ظلمني وقهرني.
فقال داود - كما حكى اللَّه عزّ وجلّ - : «لَقَدْ ظَلَمَك بِسُؤالِ نَعْجَتِك إِلى‏ نِعاجِهِ» إلى قوله: «وخَرَّ راكِعاً وأَنابَ».
قال: فضحك المستعدى عليه من الملائكة، وقال: قد حكم الرجل على نفسه.
فقال داود: أ تضحك وقد عصيت! لقد هممت أن أهشم فاك.
قال: فعرجا، وقال الملك المستعدى عليه: لو علم داود لكان أحقّ بهشم فيه منّي.
ففهم داود الأمر، وذكر الخطيئة، فبقي أربعين يوماً ساجداً، يبكي ليله ونهاره، ولا يقوم إلّا وقت الصلاة، حتّى انخرق جبينه، وسال الدم من عينيه ۱ .
فلمّا كان بعد الأربعين يوماً، نودي: يا داود، مالك؟ أ جائع أنت فنشبعك، أو ظمآن فنرويك، أو عريان فنكسوك، أم خائف فنؤمّنك؟
فقال: أي ربّ، وكيف لا أخاف وقد عملت ما عملت، وأنت الحكم العدل الذي لا يجوزك ظلم ظالم؟

1.في «ب» و «ج»: «قال: فضحك المعتدى عليه من الملائكة وقال: قد حكم الرجل على نفسه. فقال داود: أ تضحك وقد عصيت! لقد هممت أن أهشم فاك. قال: فارتفعا، وقال الملك المعتدى عليه: لو علم داود أنّه أحقّ أن يهشم فاه مني. ففهم داود الأمر، وذكر الخطيئة، فوقع على وجهه فلم يزل ساجداً أربعين يوماً يبكي ليله ونهاره، ولا يقوم إلّا وقت الصلاة، حتّى خرق الدمع وجنتيه، وسال الدم من عينيه».


مختصر تفسير القمّي
438

الصادق عليه السلام قال: «إنّ داود عليه السلام لمّا جعله اللَّه عزّ وجلّ خليفة في الأرض وأنزل عليه الزبور، أوحى اللَّه عزّ وجلّ إلى الجبال والطير أن يسبّحن معه، وكان سببه أنّه إذا صلّى ببني إسرائيل قام وزيره بعد ما يفرغ من الصلاة، فيحمد اللَّه ويسبّحه ويكبّره ويهلّله، ثمّ يمدح الأنبياء عليهم السلام نبيّاً نبيّاً، ويذكر من فضلهم وأفعالهم وشكرهم وعبادتهم للَّه سبحانه وتعالى، والصبر على بلائه، ولا يذكر داود عليه السلام.
فناجى داود ربّه، فقال: يا ربّ، قد أثنيت على الأنبياء بما أثنيت عليهم، ولم تثن عليّ.
فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إليه: هؤلاء عباد ابتليتهم فصبروا، وأنا اُثني عليهم بذلك.
فقال: يا ربّ، فابتلني حتّى أصبر.
فقال: يا داود، تختار البلاء على العافية؟ إنّي ابتليت هؤلاء ولم أعلمهم، وأنا أبليك واُعلمك أنّ بلائي في سنة كذا، وفي شهر كذا، ويوم كذا.
وكان داود عليه السلام يفرغ نفسه لعبادته يوماً ويقعد في محرابه، ويوماً يقعد لبني إسرائيل فيحكم بينهم، فلمّا كان في اليوم الذي وعده اللَّه عزّ و جلّ اشتدّت عبادته، وخلا في محرابه، وحجب الناس عن نفسه، وهو في محرابه يصلّي، فإذا هو بطائر قد وقع بين يديه، جناحاه من زبرجد أخضر، ورجلاه من ياقوت أحمر، ورأسه ومنقاره من لؤلؤ وزبرجد، فأعجبه جدّاً، ونسي ما كان فيه، فقام ليأخذه، فطار الطائر فوقع على حائط بين دار داود ودار اُوريا بن حنّان، وكان داود قد بعث اُوريا في بعث، فصعد داود عليه السلام الحائط ليأخذ الطائر وإذا إمرأة اُوريا جالسة تغتسل، فلمّا رأت ظلّ داود نشرت شعرها، وغطت به بدنها، فنظر إليها داود فافتتن بها، ورجع إلى محرابه، ونسي ما كان فيه، وكتب إلى صاحبه في ذلك البعث: لمّا أن تصير إلى موضع كيت وكيت، يوضع التابوت بينهم وبين عدوّهم ۱ .
وكان التابوت في بني إسرائيل، كما قال اللَّه عزّ وجلّ: «فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَك آلُ مُوسى‏ وآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ» ۲، قد كان رفع بعد موسى عليه السلام إلى السماء لمّا عملت بنو إسرائيل المعاصي، فلمّا غلبهم جالوت وسألوا النبي أن يبعث إليهم ملكا يقاتل في

1.في «ب» و «ج»: «وكتب إلى صاحبه الذي بعثه: أن تصير إلى موضع كذا وكذا، وتضع التابوت بينهم وبين عدوّهم».

2.البقرة (۲): ۲۴۸.

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 85530
صفحه از 611
پرینت  ارسال به