[ ۴۵ ] قوله: «يَأَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً»...الآية، نزلت بمكّة قبل مهاجرة رسول اللَّه إلى المدينة بخمس سنين، وقد كتبت في خبر الأحزاب، وحرب الأحزاب كانت في سنة خمس للهجرة، فهذا دليل على انّ القرآن مؤلّف على خلاف ما أنزل اللَّه تعالى، مؤخّراً مقدّماً . ۱
أقول: وهذه الآية منسوخة بآية السيف ۲ ، وذكر بعض العامّة أنّ هذه الآية نزلت بالمدينة، لا بمكّة؛ لأنّه قال: «وَ لَا تُطِعِ الْكَفِرِينَ وَ الْمُنَفِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ» ۳والمنافقون إنّما كانوا بالمدينة لا بمكّة. وغلطوا في ذلك غلطاً بيّناً؛ لأنّ اللَّه تعالى يقول في سورة الأنفال: «إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ والَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ» ۴، نزلت في حرب بدر، في خمسة نفر من قريش، جاؤوا من مكّة إلى الحرب وقد كانوا أظهروا الإسلام، منهم: قيس بن الفاكهة وأبوه ۵ ، والحرث بن زمعة ۶ ، وعليّ بن اُميّة بن خلف، والعاص بن منبه ۷ ، وقد كانوا أظهروا الإسلام لرسول اللَّه بمكّة، وكانوا منافقين، فجاؤوا مع قريش لحرب بدر، فلمّا نظروا إلى قلّة أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، قالوا: مساكين هؤلاء، غرّ هؤلاء محمّد، فحكى اللَّه ذلك فقال: «إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ والَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ»...الآيات.
[ ۵۰ ] قوله: «وإمْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِىِّ»...الآية، فإنّه كان سبب نزولها: أنّ امرأة من الأنصار أتت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وقد تهيّأت وتزيّنت وتطيّبت وجاءت إلى رسول اللَّه، فقالت: يا رسول اللَّه، هل لك فيّ حاجة، فقد وهبت نفسي لك؟
فقالت لها عائشة: قبّحك اللَّه، ما أنهمك للرجال؟!
فقال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «مه يا عائشة، فإنّها رغبت في رسول اللَّه إذ زهدتنّ فيه».
ثمّ قال: «رحمكِ اللَّه، ورحمكم يا معاشر الأنصار، تنصرني رجالكم، وترغب فيّ
1.روى معناه البحراني في البرهان، ج ۴، ص ۴۷۷، عن تفسير القمّي.
2.وهي الآية (۵) من سورة التوبة رقم (۹).
3.الأحزاب (۳۳): ۴۸.
4.الأنفال (۸): ۴۹.
5.تقدّم في أوّل سورة الأنفال باسم «قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه».
6.تقدّم في أوّل سورة الأنفال باسم «الحارث بن ربيعة».
7.تقدّم في أوّل سورة الأنفال باسم «العاص بن المنبه بن الحجاج».