من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلّا نافق، إلّا القليل. وقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أخبر أصحابه أنّ العرب تتحزّب، ويجيئونا من فوق، وتغدر اليهود ونخافهم من أسفل، و أنّه ليصيبهم جهدٌ شديدٌ، ولكن تكون العاقبة لي عليهم. وهرب قوم من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ورأى منهم الضعف والفشل.
وبعث عيينة بن حصن إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: أعطنا نصف تمر يثرب سنة حتّى أرجع أنا وقومي وأفتّ في أعضاد النّاس، فإنّي في أربعة ألف، فبعث إليه: «احضر، حتّى اُشاور في ذلك الأنصار»، فحضر في جوف الليل، فأحضر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله رؤساء الأنصار، ونظر سعد بن معاذ إلى عيينة بن حصن وقد مدّ رجليه بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقال له: يا عين الهجرس ۱ ، اقبض رجليك. أتمدّ رجليك بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ؟ واللَّه لولا مكان رسول اللَّه لمّا رجعت إليك! ثمّ رفع سيفه فقبض عيينة رجليه.
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «يا معشر الأوس والخزرج، إنّي رأيتكم وقد رمتكم العرب عن قوس واحدة، وقد جزعتم وفشلتم،وهذا قد طلب أن تجعلوا له نصف تمر يثرب ويُرجع قومه ويخذّل بين الناس، فما ترون؟».
فقال سعد بن معاذ وأسيد بن حصين وسعد بن عبادة: يارسول اللَّه صلى اللَّه عليك، إن كان هذا أمر من اللَّه ورسوله، فأمض له، وإن كان يريد بهذا اصلاح اُمورنا والدفع عنّا، فلا تمرة واحدة، يا رسول اللَّه، واللَّه إن كانوا ليأكلون العلهز ۲ في الجاهلية من الجهد، ما طمعوا بهذا منّا قطّ : أن يأخذوا تمرة إلّا بشراء أو قرى ! فحين أتانا اللَّه بك وأكرمنا بك وهدانا بك ، نعطي الدنيّة! لا نعطيهم أبدا إلّا السيف. ثمّ قال لعيينة: قم يا أحمق، فواللَّه لولا مكان رسول اللَّه لمّا رجعت إلى قومك، فقام عيينة ورجع إلى قومه. ۳
وصعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى مسجد الفتح، وهو على الجبل الذي عليه مسجد الفتح اليوم، فدعا اللَّه وناجاه فيما وعده، وكان ممّا دعاه أن قال: «يا صريخ المكروبين، ويا
1.قال الخليل الفراهيدي: «الهجرس: من أولاد الثعالب، ويوصف به اللئيم». العين، ج ۴، ص ۱۱۵. وراجع أيضاً الصحاح، ج ۳، ص ۹۹۰؛ لسان العرب، ج ۶، ص ۲۴.
2.كان أهل الجاهليّة في سنيّ القحط يخلطون الوبر بالدم ويشوونه ويأكلونه ويسمّونه: العلهز.
3.روى نحوه الواقدي في المغازي، ج ۱، ص ۲۳۵ - ۲۳۷، وامتاع الأسماع للمقريزي، ۲۳۵ - ۲۳۶.