403
مختصر تفسير القمّي

ذو نيّة وبصيرةوالصدق منجي كلّ فائز
إنّي لأرجو أن اُقيم‏عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى‏صوتها بعد الهزاهز
فقال له عمرو: من أنت؟
قال: «أنا عليّ بن أبي طالب، أخو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وابن عمّه وختنه ۱ ».
فقال: واللَّه إن أباك كان لي صديقاً ونديماً، وإنّي أكره أن أقتلك، ما أمن ابن عمّك حين بعثك إليّ أن أختطفك برمحي هذا، فأتركك شائلاً بين السماء والأرض، لا حيّ ولا ميّت!
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: «قد علم ابن عمّي أنّك إن قتلتني دخلت الجنّة وأنت في النار، و إن قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنّة».
فقال عمرو: كلتاهما لك - يا عليّ - تلك إذن قسمة ضيزى ۲ .
قال عليّ عليه السلام: «دع هذا - يا عمرو - إنّي سمعت منك وأنت متعلّق بأستار الكعبة تقول: لا يعرضنّ عليّ أحد في الحرب ثلاث خصال إلّا أجبته إلى واحدة منها. وأنا أعرض عليك ثلاث خصال، فأجبني إلى واحدة».
قال: هات، يا عليّ.
قال: «إحداها: أن تشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأن محمّدا رسول اللَّه».
قال: نحّ عنّي هذا، هات الثانية.
فقال: «أن ترجع وتردّ هذا الجيش عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فإن يك صادقاً فأنتم أعلى به عيناً، وإن يك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره».
فقال: إذن لا تتحدّث نساء قريش بذلك، ولا تنشد الشعراء في أشعارها أنّي جبنت ورجعت على عقبي من الحرب، وخذلت قوماً رأّسوني عليهم؟
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «فالثالثة: أن تنزل إليّ، فإنّك راكب وأنا راجل حتّى أنابذك».

1.في «ط»: «وحبيبه».

2.قسمة ضيزى، أي: جائرة. لسان العرب، ج ۵، ص ۳۶۸ (ضيز).


مختصر تفسير القمّي
402

كلّهم خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وقدموا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بين أيديهم، وقال رجل من المهاجرين - وهو فلان - لرجل بجنبه من إخوانه: أما ترى هذا الشيطان - عمرو - لا واللَّه، ما يفلت من بين يديه أحد، فهلمّوا ندفع إليه محمّداً ليقتله، ونلحق نحن بقومنا. فأنزل اللَّه على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في ذلك الوقت قوله: «قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ» إلى قوله: «وَكَانَ ذَ لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا». ۱
فركز عمرو بن عبدودّ رمحه في الأرض، وأقبل يجول حوله، ويرتجز، ويقول:

ولقد بححت من النداء بجمعكم: هل من مبارز؟
ووقفت إذ جبن الشجاع مواقف القرن المناجز
إنّي كذلك لم أزل‏متسرّعا نحو الهزاهز
إنّ الشجاعة في الفتى‏والجود من خير الغرائز
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «من لهذا الكلب؟». فلم يجبه أحد، فقام إليه أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: «أنا له، يا رسول اللَّه».
فقال: «يا عليّ، هذا عمرو بن عبدودّ، فارس يليل». ۲
فقال: «وأنا عليّ بن أبي طالب».
فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «ادن منّي» فدنا منه، فعمّمه بيده، ودفع إليه سيفه ذا الفقار، وقال له: «اذهب، وقاتل بهذا»، وقال: «اللّهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته».
فمشى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يهرول في مشيه، وهو يقول:

لا تعجلنّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز

1.في «ب» و «ج» العبارة هكذا: «فصاحوا بخيلهم حتّى طفروا الخندق إلى جانب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، فخاف أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، وقال رجل من المهاجرين - وهو فلان - لبعض إخوانه: أما ترى هذا الشيطان - عمرو - لا واللَّه، ما يفلت من بين يديه أحد، فهلمّوا ندفع إليه محمّداً ليقتله، ونلحق نحن بقومنا. فأنزل اللَّه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله في ذلك الوقت قوله: «قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ» إلى قوله: «وَ كَانَ ذَ لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا». الأحزاب (۳۳): ۱۸ و۱۹.

2.يليل: موضع، وهو وادي ينبع، أو وادي الصفراء دوين بدر. وفارس يليل: لقب عمرو بن عبدودّ. اُنظر: لسان العرب، ج ۱۱، ص ۷۴۰ (يليل).

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 85583
صفحه از 611
پرینت  ارسال به