401
مختصر تفسير القمّي

فلمّا كان في جوف الليل جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وقد كان أسلم قبل قدوم قريش بثلاثة أيّام، فقال: يا رسول اللَّه، قد آمنت باللَّه وصدّقتك، وكتمت إيماني عن الكفرة، فإن أمرتني أن آتيك بنفسي فأنصرك فعلت، وإن أمرتني أن اُخذّل بين اليهود وقريش فعلت، حتّى لا يخرجوا من حصنهم. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «خذّل بين اليهود وقريش، فإنّه أوقع عندي».
قال: أ فتأذن لي أن أقول فيك ما اُريد؟
قال: «قل ما بدا لك» ففعل وقصّته مشهورة ۱ .
وخاف أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من اليهود خوفاً شديداً أن يخرجوا ويخالفوهم إلى ذراريهم ودورهم، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله النساء والذراري في الآطام ۲ ، فجاء يهودي إلى باب الآطام، فأقبل يشتم رسول اللَّه، وكان حسّان بن ثابت في الآطام - وكان جباناً، قال لرسول اللَّه: لا أطيق النظر إلى الحرب، فصيّره مع النساء - فقالت صفيّة: إنزل إلى هذا اليهودي فاقتله. فقال: لو علم رسول اللَّه فيّ خيراً لأخرجني معه، قالت: فأعطني سلاحك، فأعطاها، فلبست سلاحه وتعمّمت بعمامته وخرجت إليه فقتلته، وردّت إلى الأطم وقالت لحسان: انزل إليه فاسلبه، فقال: لاحاجة لي في سلبه .
وأقبلت قريش، فلمّا نظروا إلى الخندق، قالوا: هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها قبل ذلك. فقال رجل منهم: هذا من تدبير الفارسي الذي معه. فقبل شوره ۳ فصاحوا بخيلهم حتّى طفروا الخندق إلى جانب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وصار أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله

1.للتفصيل راجع تفسير القمّي.

2.واحدة الأطم بالضم: الأبنية المرتفعة كالحصون.

3.في الأصل زيادة: «فوافى عمرو بن عبدودّ وهبيرة بن وهب، وضرار بن الخطاب إلى الخندق، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله قد صفّ أصحابه بين يديه».


مختصر تفسير القمّي
400

وأقبلت قريش، ومعهم حُيي بن أخطب، فلمّا نزلوا العقيق جاء حُيي بن أخطب إلى بني قريظة ۱ ، فقال لهم: أخرجوا الكتاب الذي بينكم وبين محمّد. فأخرجوه، فأخذه حيي بن أخطب ومزّقه، وقال: قد وقع الأمر، فتجهّزوا وتهيّأوا للقتال. ۲

1.في الأصل زيادة مايلي «في جوف الليل، وكانوا في حصنهم قد تمسكوا بعهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، فدق باب الحصن، فسمع كعب بن أسد قرع الباب، فقال لأهله: هذا أخوك قد شأم قومه، و جاء الآن يشأمنا ويهلكنا، ويأمرنا بنقض العهد بيننا وبين محمّد، وقد وفى لنا محمّد، وأحسن جوارنا. فنزل إليه من غرفته، فقال له: من أنت؟ قال: حُيي بن أخطب، قد جئتك بعزّ الدهر. قال كعب: بل جئتني بذلّ الدهر. فقال: يا كعب، هذه قريش في قادتها وسادتها قد نزلت بالعقيق، مع حلفائهم من كنانة، وهذه فزارة، مع قادتها وسادتها قد نزلت الزغابة، وهذه سليم وغيرهم قد نزلوا حصن بني ذبيان، ولا يفلت محمّد وأصحابه من هذا الجمع أبداً، فافتح الباب، وانقض العهد الذي بينك وبين محمّد. فقال كعب: لست بفاتح لك الباب، ارجع من حيث جئت. فقال حيي: ما يمنعك من فتح الباب إلّا جشيشتك التي في التنور، تخاف أن أشركك فيها، فافتح فإنّك آمن من ذلك. فقال له كعب: لعنك اللَّه، لقد دخلت علي من باب دقيق. ثمّ قال: افتحوا له الباب. ففتحوا له، فقال: ويلك - يا كعب - انقض العهد الذي بينك وبين محمّد، ولا ترد رأيي، فإن محمّداً لا يفلت من هذا الجمع أبداً، فإنّ فاتك هذا الوقت لا تدرك مثله أبداً. قال: فاجتمع كلّ من كان في الحصن من رؤساء اليهود، مثل: غزال بن شمول، وياسر بن قيس، ورفاعة بن زيد، والزبير بن باطا، فقال لهم كعب: ما ترون؟ قالوا: أنت سيّدنا والمطاع فينا وصاحب عهدنا وعقدنا، فإن نقضت نقضنا، وإن أقمت أقمنا معك، وإن خرجت خرجنا معك. فقال الزبير بن باطا - وكان شيخاً كبيراً مجرباً، قد ذهب بصره - : قد قرأت التوراة التي أنزلها اللَّه في سفرنا بأنّه يبعث نبيّ في آخر الزمان، يكون مخرجه بمكّة، ومهاجرته إلى المدينة في هذه البحيرة. يركب الحمار العري، ويلبس الشملة، ويجتزئ بالكسيرات والتميرات، وهو الضحوك القتال، في عينيه الحمرة، وبين كتفيه خاتم النبوّة، يضع سيفه على عاتقه، لا يبالي من لاقى، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر، فإن كان هذا هو فلا يهولنه هؤلاء وجمعهم، ولو ناوأته هذه الجبال الرواسي لغلبها. فقال حيي: ليس هذا ذاك، ذاك النبي من بني إسرائيل، وهذا من العرب، من ولد إسماعيل، ولا يكون بنو إسرائيل أتباعاً لولد إسماعيل أبدا، لأنّ اللَّه قد فضّلهم على الناس جميعاً، وجعل فيهم النبوّة والملك، وقد عهد إلينا موسى ألّا نؤمن لرسول حتّى يأتينا بقربان تأكله النار، وليس مع محمّد آية، وإنّما جمعهم جمعاً، وسحرهم ويريد أن يغلبهم بذلك. فلم يزل يقلبهم عن رأيهم حتّى أجابوه».

2.في الأصل زيادة: «وبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله ذلك، فغمّه غمّاً شديداً. وفزع أصحابه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله لسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وكانا من الأوس، وكانت بنو قريظة حلفاء الأوس، فقال لهما: ائتيا بني قريظة، فانظرا ما صنعوا، فإن كانوا نقضوا العهد، فلا تعلما أحداً إذا رجعتما إلي، وقولا: عضل والقارة. فجاء سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير إلى باب الحصن، فأشرف عليهما كعب من الحصن، فشتم سعداً، وشتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، فقال له سعد: إنّما أنت ثعلب في جحر، لتولين قريش، وليحاصرنك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، ولينزلنك على الصغر والقماءة. الصغر: الذلّ والضيم. (أقرب الموارد، ج ۱، ص ۶۴۹، - صغر -). وقمأ الرجل قماءة: ذلّ وصغر. (لسان العرب، ج ۱، ص ۱۳۴ - قمأ ). وليضربنّ عنقك، ثمّ رجعا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، فقالا له: عضل والقارة. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله: «لعنا، نحن أمرناهم بذلك» وذلك أنّه كان على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله عيون لقريش يتجسسون خبره، وكانت عضل والقارة قبيلتان من العرب، دخلتا في الإسلام، ثمّ غدرتا، فكان إذا غدر أحد ضرب بهما المثل، فيقال: عضل والقارة. ورجع حيي بن أخطب إلى أبي سفيان وقريش، وأخبرهم بنقض بني قريظة العهد بينهم وبين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، ففرحت قريش بذلك.

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 85597
صفحه از 611
پرینت  ارسال به