فلمّا كان في جوف الليل جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وقد كان أسلم قبل قدوم قريش بثلاثة أيّام، فقال: يا رسول اللَّه، قد آمنت باللَّه وصدّقتك، وكتمت إيماني عن الكفرة، فإن أمرتني أن آتيك بنفسي فأنصرك فعلت، وإن أمرتني أن اُخذّل بين اليهود وقريش فعلت، حتّى لا يخرجوا من حصنهم. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «خذّل بين اليهود وقريش، فإنّه أوقع عندي».
قال: أ فتأذن لي أن أقول فيك ما اُريد؟
قال: «قل ما بدا لك» ففعل وقصّته مشهورة ۱ .
وخاف أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من اليهود خوفاً شديداً أن يخرجوا ويخالفوهم إلى ذراريهم ودورهم، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله النساء والذراري في الآطام ۲ ، فجاء يهودي إلى باب الآطام، فأقبل يشتم رسول اللَّه، وكان حسّان بن ثابت في الآطام - وكان جباناً، قال لرسول اللَّه: لا أطيق النظر إلى الحرب، فصيّره مع النساء - فقالت صفيّة: إنزل إلى هذا اليهودي فاقتله. فقال: لو علم رسول اللَّه فيّ خيراً لأخرجني معه، قالت: فأعطني سلاحك، فأعطاها، فلبست سلاحه وتعمّمت بعمامته وخرجت إليه فقتلته، وردّت إلى الأطم وقالت لحسان: انزل إليه فاسلبه، فقال: لاحاجة لي في سلبه .
وأقبلت قريش، فلمّا نظروا إلى الخندق، قالوا: هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها قبل ذلك. فقال رجل منهم: هذا من تدبير الفارسي الذي معه. فقبل شوره ۳ فصاحوا بخيلهم حتّى طفروا الخندق إلى جانب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وصار أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله
1.للتفصيل راجع تفسير القمّي.
2.واحدة الأطم بالضم: الأبنية المرتفعة كالحصون.
3.في الأصل زيادة: «فوافى عمرو بن عبدودّ وهبيرة بن وهب، وضرار بن الخطاب إلى الخندق، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله قد صفّ أصحابه بين يديه».