قال: فجمع جميع المسلمين، فقلت في نفسي: من يقوى على إطعامهم؟ ۱ فتقدّمت، وقلت لأهلي: قد - واللَّه - أتاك محمّد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بما لا قِبَلَ لَكِ بِهِ.
فقالت: أعلمته أنت بما عندنا؟ قلت: نعم. قالت: فهو أعلم بما أتى.
قال جابر: فدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فنظر في القدر، ثمّ قال: «إغرفي، وأبقي». ثمّ نظر في التنور، ثمّ قال: «أخرجي، وأبقي»، ثمّ دعا بصحفة ۲ فثرد فيها وغرف، فقال: «يا جابر، أدخل علىَّ عشرة».
فأدخلت عشرة، فأكلوا حتّى تملُمؤوا ۳ ، وما يرى في القصعة إلّا آثار أصابعهم.
ثمّ قال: «يا جابر، عليّ بالذراع». فأتيته بذراع، فأكلوه.
ثمّ قال: «أدخل علي عشرة». فأدخلتهم، فأكلوا حتّى تملّمؤوا ۴ ، ولم ير في القصعة إلّا آثار أصابعهم، ثمّقال: «علىَّ بذراع» فأكلوا وخرجوا.
ثمّ قال: «أدخل علىَّ عشرة»، فأدخلتهم، فأكلوا حتّى تملّمؤوا، ولم ير في القصعة إلّا آثار أصابعهم، ثمّ قال: «يا جابر عليّ بالذراع» فأتيته، فقلت: يا رسول اللَّه، كم للشاة من ذراع؟
قال: «ذراعان».
فقلت: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، لقد أتيتك بثلاثة. فقال: «أمّا لو سكتّ - يا جابر - لأكل الناس كلّهم من الذراع».
قال: «يا جابر، أدخل عشرة». فأقبلت اُدخل عشرة عشرة، فيأكلون حتّى أكلوا كلّهم، وبقي لنا - واللَّه - من ذلك الطعام ما عشنا به أيّاماً كثيرة.
قال: وحفر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله الخندق، وجعل له ثمانية أبواب، وجعل على كلّ باب رجلاً من المهاجرين ورجلاً من الأنصار مع جماعة يحفظونه، وقدمت قريش وكنانة وسليم وهلال، فنزلوا الزغابة ۵ ، ففرغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من حفر الخندق قبل قدوم قريش بثلاثة أيّام.
1.كذا في «ب» و «ج». وفي الأصل: «قال جابر: وكان في الخندق سبع مائة رجل، فخرجوا كلّهم، ثمّ لم يمرّ بأحد من المهاجرين والأنصار إلّا قال: أجيبوا جابرا. قال جابر».
2.الصحفة: إناء كالقصعة المبسوطة. النهاية، ج ۳، ص ۱۳.
3.في «ق»: «نهلوا».
4.في «ط»: «نهلوا»، وكذا في الموضع الآتي.
5.زغابة: موضع قرب المدينة. معجم البلدان، ج ۳، ص ۱۴۱.