399
مختصر تفسير القمّي

قال: فجمع جميع المسلمين، فقلت في نفسي: من يقوى على إطعامهم؟ ۱ فتقدّمت، وقلت لأهلي: قد - واللَّه - أتاك محمّد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بما لا قِبَلَ لَكِ بِهِ.
فقالت: أعلمته أنت بما عندنا؟ قلت: نعم. قالت: فهو أعلم بما أتى.
قال جابر: فدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فنظر في القدر، ثمّ قال: «إغرفي، وأبقي». ثمّ نظر في التنور، ثمّ قال: «أخرجي، وأبقي»، ثمّ دعا بصحفة ۲ فثرد فيها وغرف، فقال: «يا جابر، أدخل علىَّ عشرة».
فأدخلت عشرة، فأكلوا حتّى تملُمؤوا ۳ ، وما يرى في القصعة إلّا آثار أصابعهم.
ثمّ قال: «يا جابر، عليّ بالذراع». فأتيته بذراع، فأكلوه.
ثمّ قال: «أدخل علي عشرة». فأدخلتهم، فأكلوا حتّى تملّمؤوا ۴ ، ولم ير في القصعة إلّا آثار أصابعهم، ثمّ‏قال: «علىَّ بذراع» فأكلوا وخرجوا.
ثمّ قال: «أدخل علىَّ عشرة»، فأدخلتهم، فأكلوا حتّى تملّمؤوا، ولم ير في القصعة إلّا آثار أصابعهم، ثمّ قال: «يا جابر عليّ بالذراع» فأتيته، فقلت: يا رسول اللَّه، كم للشاة من ذراع؟
قال: «ذراعان».
فقلت: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، لقد أتيتك بثلاثة. فقال: «أمّا لو سكتّ - يا جابر - لأكل الناس كلّهم من الذراع».
قال: «يا جابر، أدخل عشرة». فأقبلت اُدخل عشرة عشرة، فيأكلون حتّى أكلوا كلّهم، وبقي لنا - واللَّه - من ذلك الطعام ما عشنا به أيّاماً كثيرة.
قال: وحفر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله الخندق، وجعل له ثمانية أبواب، وجعل على كلّ باب رجلاً من المهاجرين ورجلاً من الأنصار مع جماعة يحفظونه، وقدمت قريش وكنانة وسليم وهلال، فنزلوا الزغابة ۵ ، ففرغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من حفر الخندق قبل قدوم قريش بثلاثة أيّام.

1.كذا في «ب» و «ج». وفي الأصل: «قال جابر: وكان في الخندق سبع مائة رجل، فخرجوا كلّهم، ثمّ لم يمرّ بأحد من المهاجرين والأنصار إلّا قال: أجيبوا جابرا. قال جابر».

2.الصحفة: إناء كالقصعة المبسوطة. النهاية، ج ۳، ص ۱۳.

3.في «ق»: «نهلوا».

4.في «ط»: «نهلوا»، وكذا في الموضع الآتي.

5.زغابة: موضع قرب المدينة. معجم البلدان، ج ۳، ص ۱۴۱.


مختصر تفسير القمّي
398

بنفسه، وأمير المؤمنين عليه السلام ينقل التراب عن الحفرة، حتّى عرق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وأعيا، وقال: «لا عيش إلّا عيش الآخرة، اللّهم إغفر للمهاجرين والأنصار».
فلمّا نظر الناس إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يحفر، اجتهدوا في الحفر، ونقلوا التراب.
فلمّا كان في اليوم الثاني بكروا إلى الحفر، وقعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في مسجد الفتح، فبينا المهاجرون والأنصار يحفرون، إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه، فبعثوا جابر بن عبد اللَّه الأنصاري إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يُعلمه بذلك.
قال جابر: فجئت إلى المسجد، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله مستلقٍ على قفاه، ورداؤه تحت رأسه، وقد شدّ على بطنه حِجْراً، فقلت: يا رسول اللَّه، إنّه قد عرض لنا جبل لم تعمل المعاول فيه. فقام مسرعاً حتّى جاءه، ثمّ دعا بماء في إناء، فغسل وجهه وذراعيه، ومسح على رأسه ورجليه، ثمّ شرب ومجّ من ذلك الماء في فيه ثمّ صبّه على ذلك الحجر، ثمّ أخذ معولاً فضرب ضربة، فبرقت برقة، فنظرنا فيها إلى قصور الشام. ثمّ ضرب اُخرى، فبرقت اُخرى، فنظرنا فيها إلى قصور المدائن. ثمّ ضرب اُخرى فبرقت برقة اُخرى، فنظرنا فيها إلى قصور اليمن. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «إنّ اللَّه سيفتح عليكم هذه المواطن التي برق فيها البرق». ثمّ انهال علينا الجبل كما ينهال الرمل.
فقال جابر: فعلمت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله مقوٍ - أي: جائع - لمّا رأيت على بطنه الحِجْر، فقلت: يا رسول اللَّه، هل لك في الغذاء؟
قال: «ما عندك، يا جابر؟»
فقلت: عناق ۱ ، وصاع من شعير.
فقال: «تقدّم، وأصلح ما عندك».
قال جابر: فجئت إلى أهلي، فأمرتها، فطحنت الشعير، وذبحت العنز وسلختها، وأمرتها أن تخبز وتطبخ وتشوي، فلمّا فرغت من ذلك جئت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقلت: بأبي أنت واُمّي - يا رسول اللَّه - قد فرغنا، فاحضر مع من أحببت، فقام صلى اللَّه عليه وآله على شفير الخندق، ثمّ قال: «يا معاشر المهاجرين والأنصار، أجيبوا جابراً».

1.العناق: الأنثى من المعز. لسان العرب، ج ۱۰، ص ۲۷۴ (عنق).

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 85635
صفحه از 611
پرینت  ارسال به