397
مختصر تفسير القمّي

فسيروا في الأرض، واجمعوا حلفاءكم وغيرهم، حتّى نسير إليهم، فإنّه قد بقي من قومي معه بيثرب سبع مائة مقاتل، وهم بنو قريظة، وبينهم وبين محمّد عهد وميثاق، وأنا أحملهم على نقض العهد بينهم وبين محمّد، ويكونون معنا عليهم، فتأتونه أنتم من فوق، وهم من أسفل.
وكان موضع بني قريظة من المدينة على قدر ميلين، وهو الموضع الذي يسمّى: بئر المطلب ۱ ، فلم يزل يسير معهم حُيي بن أخطب في قبائل العرب حتّى اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش وكنانة، والأقرع بن حابس في قومه، والعبّاس بن مرداس في بني سليم.
فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فاستشار أصحابه، وكانوا تسع مائة رجل ۲ ، فقال سلمان الفارسي: يا رسول اللَّه، إنّ القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة ۳ ، فاجعل بينك وبينهم حجاباً يمكنك منعهم في المطاولة.
قال: «فما أصنع؟»
قال: نحفر خندقاً يكون بيننا وبينهم حجاباً فيمكنك منعهم في المطاولة، ولا يمكنهم أن يأتونا من كلّ وجه، فإنّا كنّا معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم ۴ من عدوّنا نحفر الخنادق، فتكون الحرب من مواضع معروفة.
فنزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقال: «أشار سلمان بصواب».
فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بحفره ۵ من ناحية اُحُد إلى راتج ۶ ، وجعل على كلّ عشرين خطوة، وثلاثين خطوة قوماً من المهاجرين والأنصار يحفرونه، فأمر فحملت المساحي والمعاول، وبدأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فأخذ معولاً، فحفر في موضع المهاجرين

1.في «ج»: «بئر بن أخطب».

2.في «أ»: «سبع مائة رجل».

3.المطاولة: بمعنى المغالبة على العدو، و هنا بمعنى المقاتلة.

4.يدهمهم: يفجأهم، والدّهم: العدد الكثير. النهاية، ج ۲، ص ۱۴۵.

5.كذا في «ط». وفي «ب»: «فجاء بنفسه ومسح الخندق، وجعل على...»، وفي البرهان: «بمسحه». ومسح الأرض: ذرعها. الصحاح، ج ۱، ص ۴۰۵ (مسح).

6.راتج: أطمة - حصن - من آطام المدينة. الروض المعطار، ص ۲۶۶.


مختصر تفسير القمّي
396

أجاب وسبق إلى «بَلَى» رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ۱ . فقدّمه كما سبق بالإقرار، ثمّ قدّم في سبق بعده، فقدّم النبيّ لأنّه أفضل هؤلاء الخمسة اُولي العزم؛ لأنّه ذكر الأنبياء كلّهم أنّه أخذ عليهم الميثاق، سمّ أبرز أفضلهم بالأسامي فقال: «وَمِنكَ وَمِن نُوحٍ» ۲...الآية، ومثله قوله: «وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ» ۳...الآية، ومثله: «إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوَاحِشَ مَاظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» ۴ ثمّ قال: «وَالإِثْمَ وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللّهِ» ۵...الآية، فهذه الاُمور من الفواحش أيضاً، ولكنّها أعظم الفواحش».
[ ۹ - ۱۹ ] وقوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وجُنُوداً لَمْ تَرَوْها»...الآية، فإنّها نزلت في قصّة الأحزاب من قريش والعرب، الذين تحزّبوا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. قال: وذلك أنّ قريشاً تجمّعت في سنة خمس من الهجرة، وساروا في العرب وجلبوا ۶ ، واستنفروهم ۷ لحرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فوافوا في عشرة آلاف، ومعهم كنانة وسليم وفزارة.
وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله حين أجلى بني النضير - وهم بطن من اليهود - من المدينة، وكان رئيسهم حُيي بن أخطب، وهم يهود من بني هارون عليه السلام، فلمّا أجلاهم من المدينة صاروا إلى خيبر، وخرج حُيي بن أخطب إلى قريش بمكّة، وقال لهم ۸ : إنّ محمّداً قد وتركم ووترنا، وأجلانا من المدينة من ديارنا وأموالنا، وأجلى بني عمّنا بني قينقاع،

1.في الأصل زيادة: «وذلك أنّه كان أقرب الخلق إلى اللَّه تبارك وتعالى، وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل لمّا اُسري به إلى السماء: تقدّم - يا محمّد - فقد وطئت موطئاً لم يطأه ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولولا أنّ روحه ونفسه كانت من ذلك المكان لمّا قدر أن يبلغه، فكان من اللَّه عزّ وجلّ كما قال اللَّه تعالى: «قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‏» (النجم (۵۳): ۹) أي: بل أدنى، فلمّا خرج الأمر وقع من اللَّه إلى أوليائه عليهم السلام».

2.الأحزاب (۳۳): ۷.

3.البقرة (۲): ۹۸.

4.الأعراف (۷): ۳۳.

5.أجلب الرجل الرجل: إذا توعّده بشر، وجمع الجمع عليه. لسان العرب، ج ۱، ص ۲۷۲ (جلب).

6.في «ط»: «واستفزّوهم».

7.العبارة في «ب» و «ج» هكذا: «لحرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، وهم كنانة وبطون قيس وسليم وفزارة وغيرهم، والأقرع بن عابس في قومه وعبّاس بن مرداس في بني سليم، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله حين أجلى بني النضير - وهم بطن من اليهود - من المدينة، وكان رئيسهم حيي بن أخطب، فخرجوا إلى خيبر، وخرج حيي بن أخطب فصار إلى مكّة، وقال لقريش:...».

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 85640
صفحه از 611
پرینت  ارسال به