369
مختصر تفسير القمّي

عليها، فلمّا ذهب نحو النار يقتبس منها أهوت إليه، ففزع منها وعدا، ورجعت النار إلى الشجرة، فالتفت إليها وقد رجعت إلى مكانها، فرجع الثانية ليقتبس، فأهوت إليه، فعدا وتركها، ثمّ التفت إليها وقد رجعت إلى الشجرة، فرجع إليها ثالثة، فأهوت إليه، فعدا «ولَمْ يُعَقِّبْ» أي: لم يرجع، فناداه اللَّه: «أَنْ يا مُوسى‏ إِنِّى أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ».
قال موسى: فما الدليل على ذلك؟ قال اللَّه: ما في يمينك يا موسى؟ قال: هي عصاي.
قال: «أَلْقِها يا مُوسى‏» فألقاها، فصارت حيّة تسعى، ففزع منها موسى عليه السلام، وعدا، فناداه اللَّه: «أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ اسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ» ۱أي: من غير علّة، وذلك أنّ موسى عليه السلام كان شديد السمرة، فأخرج يده من جيبه، فأضاءت له الدنيا [فقال اللَّه عزّ وجلّ: «فَذانِك بُرْهانانِ مِنْ رَبِّك إِلى‏ فِرْعَوْنَ ومَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ»...الآيات ]» ۲ . ۳
[ ۳۸ ] قوله: «فَأَوْقِدْ لِى يَا هامَانُ»... الآية، فإنّ هامان بنى له في الهواء صرحاً، حتّى بلغ مكاناً في الهواء لا يتمكّن الإنسان أن يقوم عليه من الرياح القائمة في الهواء، فقال لفرعون: لا نقدر أن نزيد على هذا. فبعث اللَّه رياحاً، فرمت به، فاتّخذ فرعون وهامان عند ذلك التابوت، وعمدا إلى أربعة أنسر، فأخذا أفراخها وربياها، حتّى إذا بلغت القوّة وكبرت، عمدا إلى جوانب التابوت الأربعة، فغرسا في كلّ جانب منه خشبة، وجعلا على رأس كلّ خشبة لحماً، وجوّعا الأنسر، وشدّا أرجلها بأصل الخشبة، فنظرت الأنسر إلى اللحم، فأهوت إليه، وصفقت بأجنحتها، وارتفعت بهما في الهواء، وأقبلت تطير يومها، فقال فرعون لهامان: اُنظر إلى السماء، هل بلغناها؟
فنظر هامان، فقال: أرى السماء كما كنت أراها من الأرض في البعد.
فقال: انظر إلى الأرض. فقال: لا أرى الأرض، ولكنّي أرى البحار والماء.
قال: فلم تزل الأنسر ترتفع حتّى غابت الشمس، وغابت عنهم البحار والماء، فقال

1.القصص (۲۸): ۳۱ و ۳۲.

2.مابين المعقوفتين من الأصل.

3.رواه البحراني في البرهان، ج ۴، ص ۲۵۵ - ۲۶۰، عن تفسير القمّي. وروى ابن بابويه قصّة موسى‏ عليه السلام بالتفصيل في كمال الدين وتمام النعمة، ص ۱۴۷، ح ۱.


مختصر تفسير القمّي
368

قال: «إنّ موسى علم أنّه يتمّ له شرطه، فكيف لهذا أن يعلم أنّه يبقى حتّى يفي؟». ۱
قلت له: جعلت فداك، أيّهما زوّجه شعيب من بناته؟
قال: «التي ذهبت إليه فدعته، وقالت لأبيها: «يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ إسْتَأْجَرْتَ الْقَوِىُّ الأمِينُ». فَلَمَّا قَضَى‏ مُوسَى الأَجَلَ» ۲ ، قال لشعيب: لا بدّ لي أن أرجع إلى وطني واُميّ وأهل بيتي، فما لي عندك؟
فقال شعيب: ما وضعت أغنامي في هذه السنة من غنم بُلْقٍ ۳ فهو لك؟
فعمد موسى - عند ما أراد أن يرسل الفحل على الغنم - إلى عصا، فشقّ ۴ منها بعضاً وترك بعضاً، وغرزها في وسط مربض الغنم، وألقى عليها كساء أبلق، ثمّ أرسل الفحل على الغنم، فلم تضع الغنم في تلك السنة إلّا بلقاً.
فلمّا حال عليه الحول حمل موسى إمرأته، وزوّده شعيب من عنده، وساق غنمه، فلمّا أراد الخروج قال لشعيب: أبغي ۵ عصا تكون معي، وكانت عصيّ الأنبياء عنده، قد ورثها مجموعة في بيت.
فقال له شعيب: اُدخل هذا البيت، وخذ عصا من بين العصيّ.
فدخل، فوثبت إليه عصا نوح وإبراهيم عليهما السلام، وصارت في كفّه، فأخرجها ونظر إليها شعيب، فقال: ردّها، وخذ غيرها.
فردّها ليأخذ غيرها، فوثبت إليه تلك بعينها، فردّها حتّى فعل ذلك ثلاث مرات. فلمّا رأى شعيب ذلك، قال له: اذهب، فقد خصّك اللَّه بها.
فساق غنمه، فخرج يريد مصر، فلمّا صار في مفازة ومعه أهله، أصابهم برد شديد وريح وظلمة، وجنّهم الليل، فنظر موسى إلى نار قد ظهرت، كما قال اللَّه: «فَلَمَّا قَضى‏ مُوسَى الأجَلَ وسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى آنَسْتُ ناراً لَعَلِّى آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ»، فأقبل نحو النار يقتبس، فإذا شجرةُ ونار تلتهب

1.روي نحوه في الكافي، ج ۵، ص ۴۱۴، ح ۱.

2.القصص (۲۸): ۲۹.

3.البلق: سواد وبياض، وبلق الدابة: ارتفاع التحجيل إلى الفخذين. لسان العرب، ج ۱۰، ص ۲۵ (بلق).

4.في «ب»: «فقشر».

5.في «ب» و «ج»: «أعطني».

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 85578
صفحه از 611
پرینت  ارسال به