367
مختصر تفسير القمّي

«رَبِ‏ّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ»، واللَّه ما سأل اللَّه إلّا خبزاً يأكل، لأنّه كان يأكل بقلة الأرض، ولقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه، من هزاله». ۱
فلمّا رجعت بنتا شعيب إلى شعيب، قال لهما: أسرعتما الرجوع! فأخبرتاه بقصّة موسى عليه السلام، ولم تعرفاه، فقال شعيب لواحدة منهما: إذهبي إليه، فادعيه لنجزيه أجر ما سقى لنا. فجاءت إليه، كما حكى اللَّه تعالى: «تَمْشِى عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوك لِيَجْزِيَك أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا» ۲، فقام موسى معها، ومشت أمامه، فصفقتها ۳ الريح، فبان عجزها، فقال لها موسى: تأخّري، ودلّيني على الطريق بحصاة تلقينها أمامي أتبعها، فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء.
فلمّا دخل على شعيب، قصّ عليه قصّته، فقال له شعيب: «لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ».
قالت إحدى بنات شعيب: «يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِىُّ الأَمِينُ». فقال لها شعيب: أمّا قوّته، فقد عرفته بسقي الدلو وحده، فبم عرفت أمانته؟ فقالت له: إنّه لمّا قال لي: تأخّري عنّي ودلّيني على الطريق فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء، عرفت أنّه من القوم الذين لا ينظرون أعجاز النساء، فهذه أمانته.
فقال له شعيب: «إِنِّى أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَك إِحْدَى ابْنَتَىَّ هاتَيْنِ عَلى‏ أَنْ تَأْجُرَنِى ثَمانِىَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِك وما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْك سَتَجِدُنِى إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ».
فقال له موسى: «ذلِك بَيْنِى وبَيْنَك أَيَّمَا الاجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَىَّ» أي: لا سبيل علىَّ إن عملت عشر سنين، أو ثمان سنين.
فقال موسى: «واللَّهُ عَلى‏ ما نَقُولُ وَكِيلٌ».
قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام:، أيّ: الأجلين قضى؟ قال: «أتمّها عشر سنين».
قلت له: فدخل بها قبل أن يقضي الأجل، أو بعده؟ قال: «قبل».
قلت: فالرجل يتزوّج المرأة، ويشترط لأبيها إجارة شهرين مثلاً، أ يجوز ذلك؟

1.وقد ورد ذلك في نهج البلاغة، الخطبة ۱۶۰.

2.القصص (۲۸): ۲۵.

3.الصفق: الضرب الذي يسمع له صوت. لسان العرب، ج ۱۰، ص‏۲۰۰ (صفق).


مختصر تفسير القمّي
366

المدينة، فإذا رجلان يقتتلان، أحدهما يقول بقول موسى، والآخر يقول بقول فرعون، فاستغاثه الذي من شيعته، فجاء موسى، فوكز صاحب فرعون، فقضى عليه، وتوارى في المدينة، فلمّا كان من الغد جاء آخر، فتشبث بذلك الرجل الذي يقول بقول موسى، فاستغاث بموسى، فلمّا نظر صاحبه إلى موسى، قال له: «أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْسَاً بِالأَمْسِ»؟! فخلّى عن صاحبه، وهرب. ۱
وكان خازن فرعون مؤمناً بموسى، قد كتم إيمانه ستّمائة سنة، وهو الذي قال اللَّه: «وقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّىَ اللَّهُ» ۲، وبلغ فرعون خبر قتل موسى الرجل، فطلبه ليقتله، فبعث المؤمن إلى موسى عليه السلام: «إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِك لِيَقْتُلُوك فَاخْرُجْ إِنِّى لَك مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها» كما حكى اللَّه «خائِفاً يَتَرَقَّبُ»، قال: «يلتفت يمنة ويسرة، ويقول: «رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»».
ومرّ نحو مدين، وكان بينه وبين مدين مسيرة ثلاثة أيّام، فما زال يمرّ حتّى أتى مدين، فلمّا بلغ باب مدين، رأى بئراً يستقي الناس منها لأغنامهم ودوابّهم، فقعد ناحية، وقد بقي ثلاثة أيّام لم يكن أكل شيئاً، فنظر إلى جاريتين في ناحية، ومعهما غنيمات، لا تدنوان من البئر، فقال لهما: ما لكما لا تستقيان؟ قالتا - كما حكى اللَّه - «لا نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ»، فرحمهما موسى، ودنا من البئر، فقال لمن على البئر: أستقي لي دلواً، ولكم دلواً وكان الدلو يمدّه ۳ عشرة رجال، فاستقى وحده دلواً لمن على البئر ودلواً لبنتي شعيب، وسقى أغنامهما «ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّى لِما أَنْزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ» ۴ وكان جائعاً شديد الجوع. ۵
قال أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ موسى كليم اللَّه حيث سقى لهما، ثمّ تولّى إلى الظلّ، فقال:

1.العبارة في «ب» و «ج» هكذا: «فاستغاثه الذي يقول بقوله على الذي يقول بقول فرعون، فأعانه موسى ووكزه وكزة قتله فيها، وتوارى في المدينة، فلمّا كان من الغد جاء آخر، فتشبّث بذلك الرجل ليذهب به إلى فرعون، فاستغاث بموسى، فلمّا نظر الرجل إلى موسى ولّى هارباً، وقال: «أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْسَاً بِالأمْسِ»؟!».

2.غافر (۴۰): ۲۸.

3.في «ط»: «بيد».

4.القصص (۲۸): ۲۴.

5.راجع الكافي، ج ۶، ص ۲۸۷، ح ۵ .

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 85599
صفحه از 611
پرینت  ارسال به