365
مختصر تفسير القمّي

لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ»، وقوله: «هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى‏ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ» فقال فرعون: نعم، فجاءت باُمّه، فشرب منها، ففرح فرعون وأهله، وأكرموها.
وكان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل كعادته كلّما يلدون، ويربّي موسى ويكرمه، ولا يعلم أنّ هلاكه على يده، فلمّا درج ۱ موسى، كان يوماً عند فرعون، فعطس موسى، فقال: الحمد للَّه ربّ العالمين. فأنكر فرعون ذلك عليه ولطمه، وقال: ما هذا الذي تقول؟ فوثب موسى على لحيته - وكان طويل اللحية - فهلبها - أي: قلعها - فآلمه ألمّاً شديداً، فهمّ فرعون بقتله، فقالت امرأته: هذا غلام حدث، لا يدري ما يقول ۲ ، و قد آلمته بلطمتك إيّاه. فقال فرعون: بل يدري.
فقالت له: ضع بين يديه تمراً وجمراً، فإن ميّز بينهما فهو الذي تقول. فوضع بين يديه تمراً وجمراً، وقال: كل. فمدّ يده إلى التمر، فجاء جبرئيل فصرفها إلى الجمر، فأخذ ۳ الجمر في فيه، فاحترق لسانه، وصاح وبكى ۴ ، فقالت آسية لفرعون: أ لم أقل لك إنّه لا يعقل؟ فعفا عنه. ۵
فلم يزل موسى عليه السلام عند فرعون في أكرم كرامة حتّى بلغ مبلغ الرجال، وكان ينكر عليه ما يتكلّم به موسى من التوحيد، حتّى همّ به، فخرج موسى من عنده، ودخل

1.في «ب» و «ج»: «بلغ».

2.في «ب» و «ج»: «يصنع».

3.في «ب» و «ج»: «فوضع». والعبارة لا تخلو من خلل، ولعلّ الصحيح فيها: «فأخذ الجمر فوضع الجمر في فيه».

4.في «ب» و «ج»: «فاحترق لسانه وأصابه النقصان منها، فرمى بها».

5.في الأصل زيادة ونصّها: «قال الراوي: فقلت لأبي جعفر عليه السلام: فكم مكث موسى غائبا عن اُمّه حتّى ردّه اللَّه عليها؟ قال: ثلاثة أيّام. فقلت: كان هارون أخا موسى لأبيه واُمّه؟ قال: نعم، أما تسمع اللَّه تعالى يقول: «يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى ولا بِرَأْسِى» (طه (۲۰): ۹۴). فقلت: أيّهما كان أكبر سنا؟ قال: هارون. قلت: وكان الوحي ينزل عليهما جميعاً؟ قال: الوحي ينزل على موسى، وموسى يوحيه إلى هارون. فقلت: أخبرني عن الأحكام، والقضاء، والأمر والنهي، أ كان ذلك إليهما؟ قال: كان موسى الذي يناجي ربّه، ويكتب هارون. العلم، ويقضي بين بني إسرائيل، وهارون يخلّفه إذا غاب عن قومه للمناجاة. قلت: فأيّهما مات قبل صاحبه؟ قال: مات هارون قبل موسى عليه السلام، وماتا جميعاً في التيه. قلت: فكان لموسى عليه السلام ولد؟ قال: لا، كان الولد لهارون، والذرّية له. و من هذا الحديث يظهر إحدى‏ وجوه حديث المنزلة التي وردت في حقّ على بن أبي طالب».


مختصر تفسير القمّي
364

اصفرّ لونك؟ فقالت: أخاف أن يذبح ولدي. فقالت: لا تخافي.
وكان موسى لا يراه أحد إلّا أحبّه، وهو قول اللَّه: «وأَلْقَيْتُ عَلَيْك مَحَبَّةً مِنِّى»، فأحبّته القبطّية الموكّلة به.
وأنزل اللَّه على اُمّ موسى التابوت، ونوديت اُمّه، وقال: ألقيه في اليمّ، وهو البحر «وَلا تَخافِى ولا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ»، فوضعته في التابوت، وألقته في النيل ۱ . وكان لفرعون قصور على شط النيل متنزّهات، فنزل من قصره ومعه آسية امرأته، فنظر إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج، والرياح تضربه، حتّى جاءت به إلى باب قصر فرعون، فأمر فرعون بأخذه، فأخذ التابوت، ورفع إليه، فلمّا فتحه وجد فيه صبيّاً، فقال: هذا إسرائيليّ. وألقى اللَّه في قلب فرعون لموسى محبّة شديدة، وكذلك في قلب آسية، وأراد فرعون أن يقتله، فقالت آسية: «لا تَقْتُلُوهُ عَسى‏ أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ» أنّه موسى عليه السلام، ولم يكن لفرعون ولد، فقال: ائتوا له بظئر تربّيه. فجاءوا بعدّة نساء قد قتل أولادهنّ، فلم يشرب لبن أحدٍ من النساء، وهو قول اللَّه: «وحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ».
وبلغ اُمّه أنّ فرعون قد أخذه، فحزنت وبكت، كما قال: «وأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى‏ فارِغاً»...الآية ۲ ، ثمّ قالت لاُخت موسى: «قُصِّيهِ» أي: اتبعيه، فانظري ماذا صنعوا به، وهو قوله: «فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ» أي: عن قرب.
أقول: «عَنْ جُنُبٍ»، أي: عن بُعد، ومنه قوله: «وَالجَار ذِى الْقُرْبَى‏ وَالْجَارِ الْجُنُبِ»، ۳ أي: البعيد وسمّيت الجنابة جنابة؛ لأنّها تُبعد عن الصلاة ودخول المساجد ونحو ذلك.
فقالت اُخت أمّ موسى:
أقول: المشهور أنّها كانت اُخت موسى، والآية دليل على ذلك ؛ فإنّه قال: «وَقَالَتْ

1.العبارة في الأصل هكذا: «ونوديت اُمّه: ضعيه في التابوت فاقذفيه في اليم، وهو البحر «ولا تَخافِى ولا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ»، فوضعته في التابوت، وأطبقت عليه، وألقته في النيل...».

2.في «ب» زيادة: «فضبطت نفسها وكادت أن تموت، وهو قوله: «وأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى‏ فارِغاً»».

3.النساء (۴): ۳۶.

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 85617
صفحه از 611
پرینت  ارسال به