231
مختصر تفسير القمّي

وفرّق العذاب على الجبال، فهم ذا يطلبون يونس ليؤمنوا به. فغضب يونس، ومرّ على وجهه مغاضباً، كما حكى اللَّه تعالى ۱ ، حتّى انتهى إلى ساحل البحر، فإذا ۲ سفينة قد شحنت، وأرادوا أن يدفعوها، فسألهم يونس أن يحملوه فحملوه، فلمّا توسّطوا ۳ البحر بعث اللَّه حوتاً عظيماً، فحبس عليهم السفينة من قدامها، فنظر إليه يونس ففزع منه، و صار إلى مؤخّر السفينة فدار إليه الحوت وفتح فاه. فخرج أهل السفينة، فقالوا: فينا عاصٍ، فتساهموا ۴ ، فخرج سهم يونس، وهو قول اللَّه عزّ وجلّ: «فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ» ۵فأخرجوه، فألقوه في البحر «فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ» ۶ومرّ به في الماء.
فروي في الخبر أنّه مرّ به تحت الأرض حتّى لحق بقارون [ وكان قارون هلك في أيّام موسى عليه السلام، ووكلّ اللَّه به ملكاً يدخله في الأرض كلّ يوم قامة رجل ] ۷ وكان يونس في بطن الحوت يسبّح اللَّه ويستغفره ۸ ، فسمع قارون صوته، فقال للملك الموكّل به: أنظرني فإنّي أسمع كلام آدمي. فأوحى اللَّه إلى الملك الموكّل به: أنظره. فأنظره، ثمّ قال قارون: من أنت؟ قال يونس: أنا المذنب الخاطئ يونس بن متى.
أقول: الأنبياء لا يذنبون ؛ لأنّهم معصومون من أوّل العمر إلى آخره، وقد قامت الدلائل على ذلك والبراهين، فالكلام يؤوّل، وفي جميع هذه القصّة أنظار، على ما لا يخفى.
قال: فما فعل الشديد الغضب للَّه موسى بن عمران؟

1.ما بين المعقوفتين من الأصل.

2.في هامش «ص» ما نصّه: «فمرّ يونس مغاضباً، وقال: كيف أرجع إليهم وما آمنوا بي، وكنت صادقاً، وقد وعدتهم نزول العذاب على أنّهم خالفوا، والآن كيف يؤمنون بي وهم يروني كاذباً؟ فمرّ مغاضباً للَّه، كما حكى اللَّه... إلخ. كذا في الصغير. انتهى». وقال العلّامة المجلسي رحمه اللَّه عليه: في بيان قوله عليه السلام: «بعد ما كذبني الوحي» أي باعتقاد القوم. وفي قوله عليه السلام: «مغاضباً لربّه» أي على قومه لربّه تعالى، أي كان غضبه للَّه تعالى لا للهوى، أو خائفاً عن تكذيب قومه لمّا تخلّف عنه من وعد ربّه. البحار، ج ۱۷، ص ۳۹۹).

3.في «ب»: «فرأى».

4.في «ب»: «لجّوا».

5.في «ب»: «فأستهموا»، وتساهموا: تقارعوا. الصحاح، ج ۵، ص ۱۹۵۷ (سهم).

6.الصافّات (۳۷): ۱۴۱.

7.الصافّات (۳۷): ۱۴۲.

8.في «ب»: «ويقدّسه في بطن الحوت».


مختصر تفسير القمّي
230

أقول: في هذا نظر؛ فإنّ النبيّ لا يشكّ في فضل عليّ. ۱
[ ۹۸ ] وقوله: «فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ»...الآية، قال العالم عليه السلام: «إنّه لم يردّ اللَّه العذاب إلّا عن قوم يونس، وكان يونس يدعوهم إلى الإيمان ۲ فلا يؤمنون، فهمّ أن يدعو عليهم، وكان فيهم رجل عابد، ورجل عالم [كان اسم أحدهما تنوخا ۳ ، والآخر اسمه‏] ۴ روبيل، فكان العابد يأمره بالدعاء عليهم، وكان العالم ينهاه، ويقول: لا تدع عليهم؛ فإنّ اللَّه يستجيب لك، فإنّ العابد يريد هلاك عباده. فقبل قول العابد، فدعا اللَّه عليهم، فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إليه: يأتيهم العذاب سنة كذا[ وكذا، في شهر كذا وكذا، في يوم كذا وكذا.
فلمّا قرب الوقت‏] ۵ خرج يونس من بينهم مع العابد وبقي العالم فيهم، فلمّا كان في ذلك اليوم وأظلّهم العذاب، فقال العالم لهم: يا قوم، افزعوا إلى اللَّه فلعلّه يرحمكم ويردّ العذاب عنكم. فقالوا: كيف نصنع؟ قال: اُخرجوا إلى المفازة، وفرّقوا بين النساء وأولادها [وبين الإبل وأولادها، وبين البقر وأولادها، وبين الغنم وأولادها، ثمّ ابكوا وادعوا.
فذهبوا وفعلوا ذلك، وضجّوا وبكوا] ۶ فرحمهم اللَّه وصرف عنهم العذاب، وفرّق العذاب على الجبال، وقد كان نزل وقرب منهم.
فأقبل يونس لينظر كيف أهلكهم اللَّه، فرأى الزرّاعين ۷ يزرعون في أرضهم، قال لهم: ما فعل قوم يونس؟ فقالوا له - ولم يعرفوه - : إنّ يونس دعا عليهم فاستجاب اللَّه له ۸ ، ونزل العذاب عليهم، فاجتمعوا وبكوا ودعوا ۹ فرحمهم اللَّه، وصرف ذلك عنهم،

1.ما بين المعقوفتين من الأصل.

2.هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات ۹۶ - ۹۷، فراجع الأصل.

3.في «أ»: «إلى الإسلام».

4.في «ط»: «مليخا». وانظر: تفسير العيّاشي، ج ۲، ص ۱۲۹، ح ۴۴.

5.ما بين المعقوفتين من الأصل، وبدله في «ب»: «فعند ذلك».

6.ما بين المعقوفتين من الأصل، وبدله في «ب»: «وبين الحيوانات وأولادها، وضجّوا إلى اللَّه ضجّة واحدة، فلعلّ اللَّه أن يصرف عنكم العذاب، فخرجوا وفعلوا ما أمرهم ».

7.في «ب»: «الزارعين».

8.في «ب»: «دعاءه».

9.في «ب» و «ج»: «العذاب عليهم حتّى رأوه، فاجتمعوا وبكوا وتضرّعوا إلى اللَّه».

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 85460
صفحه از 611
پرینت  ارسال به