وفرّق العذاب على الجبال، فهم ذا يطلبون يونس ليؤمنوا به. فغضب يونس، ومرّ على وجهه مغاضباً، كما حكى اللَّه تعالى ۱ ، حتّى انتهى إلى ساحل البحر، فإذا ۲ سفينة قد شحنت، وأرادوا أن يدفعوها، فسألهم يونس أن يحملوه فحملوه، فلمّا توسّطوا ۳ البحر بعث اللَّه حوتاً عظيماً، فحبس عليهم السفينة من قدامها، فنظر إليه يونس ففزع منه، و صار إلى مؤخّر السفينة فدار إليه الحوت وفتح فاه. فخرج أهل السفينة، فقالوا: فينا عاصٍ، فتساهموا ۴ ، فخرج سهم يونس، وهو قول اللَّه عزّ وجلّ: «فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ» ۵فأخرجوه، فألقوه في البحر «فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ» ۶ومرّ به في الماء.
فروي في الخبر أنّه مرّ به تحت الأرض حتّى لحق بقارون [ وكان قارون هلك في أيّام موسى عليه السلام، ووكلّ اللَّه به ملكاً يدخله في الأرض كلّ يوم قامة رجل ] ۷ وكان يونس في بطن الحوت يسبّح اللَّه ويستغفره ۸ ، فسمع قارون صوته، فقال للملك الموكّل به: أنظرني فإنّي أسمع كلام آدمي. فأوحى اللَّه إلى الملك الموكّل به: أنظره. فأنظره، ثمّ قال قارون: من أنت؟ قال يونس: أنا المذنب الخاطئ يونس بن متى.
أقول: الأنبياء لا يذنبون ؛ لأنّهم معصومون من أوّل العمر إلى آخره، وقد قامت الدلائل على ذلك والبراهين، فالكلام يؤوّل، وفي جميع هذه القصّة أنظار، على ما لا يخفى.
قال: فما فعل الشديد الغضب للَّه موسى بن عمران؟
1.ما بين المعقوفتين من الأصل.
2.في هامش «ص» ما نصّه: «فمرّ يونس مغاضباً، وقال: كيف أرجع إليهم وما آمنوا بي، وكنت صادقاً، وقد وعدتهم نزول العذاب على أنّهم خالفوا، والآن كيف يؤمنون بي وهم يروني كاذباً؟ فمرّ مغاضباً للَّه، كما حكى اللَّه... إلخ. كذا في الصغير. انتهى». وقال العلّامة المجلسي رحمه اللَّه عليه: في بيان قوله عليه السلام: «بعد ما كذبني الوحي» أي باعتقاد القوم. وفي قوله عليه السلام: «مغاضباً لربّه» أي على قومه لربّه تعالى، أي كان غضبه للَّه تعالى لا للهوى، أو خائفاً عن تكذيب قومه لمّا تخلّف عنه من وعد ربّه. البحار، ج ۱۷، ص ۳۹۹).
3.في «ب»: «فرأى».
4.في «ب»: «لجّوا».
5.في «ب»: «فأستهموا»، وتساهموا: تقارعوا. الصحاح، ج ۵، ص ۱۹۵۷ (سهم).
6.الصافّات (۳۷): ۱۴۱.
7.الصافّات (۳۷): ۱۴۲.
8.في «ب»: «ويقدّسه في بطن الحوت».