موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول صفحه 3

تمهيد

العقيدة المهدويّة من أرقى الأُصول الاعتقاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة للدين الإسلاميّ، فالإيمان بالإمام المهديّ عليه‏السلام في مجتمعات العالم المعاصر المتعطّشة ـ أكثر من أيّ زمن مضى ـ للقيم الإنسانيّة وفي طليعتها العدالة الاجتماعيّة، يوفّر أرضيّة خصبة لتحقيق هذه الأُمنيّة التي تعدّ من أكبر أماني البشر على مدى التاريخ.

والنزوع الفطريّ الإنسانيّ إلى ظهور المصلح والمنقذ أفضى بمعتنقي جميع الأديان ـ على اختلاف منظوماتها الفكريّة ـ إلى التطلّع نحو مستقبل مشرق، ينتظرون فيه يوم انحسار ظلال الجور القاتمة وبزوغ ضياء العدالة على جميع بقاع العالم.

تأسيساً على ذلك يمكن أن تعدّ الجهود المبذولة لبلوغ عالم يخلو من الظلم ويزخر بالعدل محوراً لتوحيد الكلمة العالميّة على طريق تحقيق هذه الأُمنية الفطريّة الإنسانيّة.

ومع اختلاف أتباع المذاهب الإسلاميّة في خصائص المهديّ عليه‏السلام، لكنّهم متّفقون على أنّ العدالة لا تعمّ أرجاء المعمورة إلاّ بيد شخص من أبناء رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ويحمل اسم المهديّ.

أمّا شيعة أهل البيت عليهم‏السلام فمؤنون بأنّ الإمام المهديّ هو نجل الإمام الحادي عشر بعد الرسول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ؛ استناداً إلى الأدلّة النقليّة وغيرها ممّا سيأتي تفصيله في هذه الموسوعة، وهو مازال حيّاً ينتظر أمر اللّه‏ لظهوره كي يبدّد حجب الغيبة وينشر العدل في العالم.

وبشّر القرآن الكريم بتحقّق هذا النبأ العظيم بلغة الإشارة۱، حيث قال مُولِياً كلمةَ

1.. راجع: ص ۳۹۱ (القسم الأوّل / الفصل الخامس / إمامة المستضعفين).

موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الاول صفحه 4

«الاستضعاف» ـ القاسم المشترك بين جميع مظلومي العالم ـ أهمّيةً خاصّة:

«وَ نُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ».۱

وكان قائد الثورة الإسلاميّة في إيران الإمام الخمينيّ رحمه‏الله يؤكّد دائماً على نصرة المستضعفين مستوحياً من هذه الآية المباركة في إرشاداته وبخاصّة بياناته العالميّة، واعتبر نهج الثورة الإسلاميّة في إيران ـ التي ستمهّد بإذن اللّه‏ عز و جل للثورة المهدويّة العالميّة ـ نهجاً لنصرة المستضعفين۲، كما خاطب في وصيّته السياسيّة و الإلهيّة مستضعفي العالم فقال:

وأنتم أيّها المستضعفون في الدنيا، و أيّتها الدول الإسلاميّة ويا مسلمي العالم، انهضوا وخذوا الحقّ بالمخالب والأسنان، ولا تخشوا من الضجيج الإعلاميّ للدول الكبرى وعملائها الخاضعين لها... هبّوا جميعكم للدفاع عن المسحوقين في العالم ومناهضة أعداء الإسلام تحت الراية الإسلاميّة المشرّفة، وتقدّموا نحو دولة إسلاميّة واحدة بجمهوريّات حرّة مستقلّة، فإنّكم بتحقيقها ستُلزِمون جميع القوى الاستكباريّة في العالم بأن تراعي حدودها، وتأخذون بأيدي جميع المستضعفين إلى إمامة الأرض ووراثتها، على أمل ذلك اليوم الذي وعد اللّه‏ تعالى به.۳

وعلى هذا الأساس فالهدف من تأليف موسوعة الإمام المهديّ عليه‏السلام في الكتاب و السنّة و التاريخ ليس مجرّد إثباتٍ لعقيدة إسلاميّة من منظار أهل البيت عليهم‏السلام فحسب، بل افتتاح طريقٍ لتوحيد المنتمين إلى جميع الأديان، بل لجميع سكّان العالم من أجل تلبية أكثر حاجات البشر أصالة بأن يسود العدل جميع أنحاء الأرض.

1.. القصص : ۵ .

2.. قال قدس‏سره في إحدى خطاباته : «...من سيكون معنا إلى آخر المسيرة هم وحدهم الذين ذاقوا آلام الفقر والحرمان والاستضعاف، فالمعدمون والمتديّنون الفقراء هم اصحاب الثورات و هم المدبّرون الحقيقيّون لها، وينبغي أن نبذل قصارى جهودنا لنحافظ على المسار الأساسيّ للدفاع عن المستضعفين بأيّ نحو كان... وسندافع عن أداء حقوق الفقراء في المجتمعات البشريّة حتّى آخر قطرة من دمائنا» (صحيفه إمام «بالفارسية»: ج ۲۱ ص ۸۷) .

3.. المصدر السابق : ص ۴۴۸ .