مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
صفحه 5
[مقدّمة المؤلّف]
الحمد للّه ربّ العالمين ، والصلاة على محمّد وآله الطاهرين .
أمّا بعد : فهذا هو المجلّد الثاني من كتاب «مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار» تأليف المذنب العاصي الغريق في بحار الآثام والمعاصي ، أفقر الخلق إلى ربّه الغني عبداللَّه بن محمّد رضا الحسينيّ وفّقهما اللَّه لطاعته ومراضيه ، وجعل مستقبل حالهما خيراً من ماضيه .
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
صفحه 6
الحديث الثالث والعشرون والمائة
[كلام علي عليه السلام مع كميل في فضل العلم] ۱
۰.ما رويناه عن رئيس المحدّثين محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه في كتاب الخصال ، قال : حدّثنا أبوالحسن محمّد بن عليّ بن الشاه ، قال : حدّثنا أبو إسحاق الخوّاص ، قال : حدّثنا محمّد بن يونس الكريمي ، عن سفيان بن وكيع ، عن أبيه ، عن سفيان الثوريّ ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن كميل بن زياد ، قال : خرج إليّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأخذ بيدي وأخرجني إلى الجبّان وجلس وجلست ، ثمّ رفع رأسه إليّ فقال : «يا كميل ، إنّ هذه القلوب أوعية ؛ فخيرها أوعاها ، احفظ عنّي ما أقول لك : الناس ثلاثة : عالمٌ ربّانيّ ، ومتعلّم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.
يا كميل ، العلم خيرٌ من المال ؛ العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق .
يا كميل ، محبّة العالم دين يدان به ، تكسبه الطاعة في حياته ، وجميل الاُحدوثة بعد وفاته ، فمنفعة المال تزول بزواله .
يا كميل ، مات خُزّان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانُهم مفقودة وأمثالُهم في القلوب موجودة ، هاه ، إنّ هاههنا - وأشار بيده إلى صدره - لعلماً جمّاً لو أصبتُ له حَملةً ، بلى اُصيب له لقناً غير مأمون ، يستعمل آلة الدين في الدنيا ، ويستظهر بحجج اللَّه على خلقه ، وبنعمته على عباده ، ليتّخذ الضعفاء وليجةً من دون وليّ الحقّ ، أو منقاداً لحملة العلم لا بصيرة له في أحنائه ، يقدح الشكّ في قلبه بأوّل عارضٍ من شبهة ، ألا لا ذا ولا ذاك ، فمنهوم باللذّات ، سلس القياس للشهوات ، أو مُغرًى بالجمع والادّخار ، ليسا من رعاة الدين ، أقرب شبهاً بهما الأنعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه .
اللهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجّته ، إمّا ظاهراً مشهوراً ، أو خائفاً مغموراً ؛ لئلّا تبطل حجج اللَّه وبيّناته وكم وأين ، اُولئك الأقلّون عدداً ، الأعظمون خَطراً ، بهم يحفظ اللَّه حججه حتّى يودعوها نظرائهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقائق الاُمور ، فباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها متعلّقة بالمحلّ الأعلى .
يا كميل ، اُولئك خلفاء اللَّه والدعاة إلى دينه ، هاي هاي شوقاً إلى رؤيتهم ، وأستغفر اللَّه لي ولكم»۲ .
1.الخصال : ۱۸۶ ح۲۵۷ ، بحار الأنوار ، ج ۱ ، ص ۱۸۷ ، ح ۴ .